سلمان الدوسري
كاتب وصحافي سعودي. ترأس سابقاً تحرير صحيفة «الاقتصادية»، ومجلة «المجلة»، وهو رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عضو مجالس إدارات عدد من المؤسسات والشركات والهيئات الإعلامية.
TT

«إعلام» الإرهابيين.. من يوقفه؟

كانت ثورة كبيرة تلك التي اجتاحت وسائل الإعلام، لم تعد هناك وسيلة واحدة تُحكم قبضتَها كما كان سابقًا، لا التلفزيون وحده ولا الإذاعة ولا الصحافة أيضًا، تنوعت المنصات التي تنقل الخبر، حتى لو لم تكن تصنعه، وفتحت وسائل التواصل الاجتماعي آفاقًا مذهلة تجعل كلَّ شخص قادرًا على الاستفادة منها بألف طريقة وطريقة، إلا أن هذه الثورة غير المسبوقة، لم تعد فقط نافذة للتعبير عن الرأي، من دون رقابة مسبقة، فالأشرار كعادتهم لا يتركون بابًا للشرّ إلا ويطرقونه، والاستغلال البشع أضحى قاعدة عامة ولم يعد استثناء، وبعد أن كانت خطبة لزعيم إرهابي لا يجد لها نافذة غير قناة فضائية تجد اللوم لفعلها هذا، تغيرت المعادلة، وأصبح بث إشاعات أو اتهامات أو تحريض بالعنف، أو تهديد بالقتل أمرًا في غاية البساطة، بل ذهبت الأوضاع إلى أبعد من ذلك بكثير، فبعد أن كانت هناك كتب من نوعية «كيف تتعلم الإنجليزية في سبعة أيام؟»، أو «كيف تصبح مليونيرًا؟»، صحونا على مواقع إلكترونية وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي و«اليوتيوب» تشرح بالتفاصيل كيف يمكنك صنع قنابل يدوية ومتفجرات خطيرة، باستخدام أدوات الطبخ ومساحيق التنظيف ومن مواد سهلة وفي متناول الجميع، وفيما تقوم الدول بعمليات عسكرية وإرسال جيوش إلى مناطق النزاع، ما زال الإرهابيون يستغلون مواقع التواصل الاجتماعي من دون أي مواجهة أو قوانين تحد - ولا أقول تمنع - استخدامهم السيئ لها. السؤال الذي يكبر يومًا بعد الآخر: ألا توجد وسيلة فاعلة للتحكم في وسائل التواصل الاجتماعي عندما تأخذ منحى إرهابيًا؟
كنت مشاركًا في إحدى الجلسات عبر المنتدى الإعلامي العربي في دبي الأسبوع الماضي، وتحدثت بأن المعركة ستكون طويلة، ما دامت الساحة الإعلامية الإلكترونية متاحة للإرهابيين من دون رادع أو قوانين توقف استغلالهم لهذه الوسائل، وبعد الجلسة جادلني أحد الشباب الحاضرين بأنه ضد أي تدخل في هذه الوسائل، مع ضرورة مواجهة الإرهابيين بالفكر لا بالمنع، وهذا عنوان عريض في رأيي يناسب المجتمعات المثالية، لا مجتمعات ينخر فيها الإرهاب ويستغل شبابها ويلقيه في أتون القتال، ولا يجد أفضل من وسائل التواصل الاجتماعي لبث سمومه ونشر أخباره، هذه الأفكار المثالية هي من تسبب بأن يكون 80 في المائة من المنضمين لـ«داعش» تم تجنيدهم عبر هذه الوسائل، فيما 90 في المائة من الهجمات الإرهابية استخدمت فيها متفجرات صناعة يدوية، من تلك التي توجد وصفاتها بكثرة على شبكة الإنترنت، وبناء عليه يمكن لأي متطرف أن يعرض تصوير فيديو وهو يقتل ويدمر، وبعد أن يشاهده مئات الآلاف يمكن أن يحذف بعد التنبيه عليه، ثم يعاود المتطرف ذاته فعل الشيء نفسه من حساب آخر، وهكذا لا يتوقف بعد أن تصل رسالته إلى الجميع، بينما لم تستطع القوانين المنظمة إيقافه أساسًا من نشر فكره المتطرف. وإذا علمنا أن استغلال المتطرفين لوسائل التواصل الاجتماعي يتم عبر حسابات مجهولة أو وهمية، يزيد الاستغراب؛ لماذا لا يزال يسمح لهم بالولوج من هذه الثغرة دون إغلاقها، أليس من الأجدى، مثلاً، أن يكون من ضمن شروط إنشاء حسابات في «اليوتيوب» أو «فيسبوك» أو «تويتر» تسجيل رقم هاتف جوال، مع احتفاظ إدارات هذه الوسائل بمعلوماتها السرية، ولا تسلمها للحكومات إلا إذا تم استخدامها بشكل غير قانوني ووفق حكم قضائي، أكاد أجزم أن أكثر من 90 في المائة من المتطرفين سيتوقفون عن الاستغلال المتطرف، ولن يفضحوا أنفسهم بأنهم متطرفون تلاحقهم يد العدالة.
بعد أن كان سلاح الإرهابي التقليدي الكلاشينكوف والحزام الناسف، أصبح سلاحه الهاتف الجوال وحساب التواصل الاجتماعي، السلاح الأول مكشوف وسهلة السيطرة عليه، أما الثاني فحتى هذه اللحظة لا توجد أي محاولات دولية جادة لإيقاف استخدامه، ومنع المتطرفين من استغلال وسائل التواصل الاجتماعي كمنصات ينطلقون منها لبث سمومهم وشرورهم وإرهابهم.