خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

العرضحالجي يصبح «مزوّرجي»

شكا لي أحد زملائي الصحافيين من محترفي السياسة أنني لم أعد أكتب عن العراق شيئاً. قلت له بل ولم أعد أقرأ شيئاً عن العراق. ولكنني كاتب فكاهة وهزل. واسترعاني بهذه الصفة تقرير عامر بالفكاهة والهزل من مراسل صحافي في بغداد قبل بضعة أشهر. قال: إن تزوير الوثائق أصبح مهنة ناجحة ومتفوقة. وتجد على أرصفة الشوارع المزورين المحترفين يجلسون على قارعة الطريق مثلما كان يفعل العرضحالجية في أيام الخير. لقد اختفى العرضحالجية الآن، لا لأنه لا يوجد أميون اليوم وإنما لأنه لم يعد هناك من ينظر في العرائض ويلبي طلباتها. تضمن التقرير صورة لشرطي يفتش أحد المارة. شيء مألوف في الشرق الأوسط. غير المألوف في الصورة والطريف فيها أن الشرطي كان ملثماً ولا يظهر من وجهه غير عينيه، في حين وقف عابر السبيل أمامه كاشف الوجه. لقد أصبح الشرطي يخاف من المارة بدلاً من أن يخاف المارة من الشرطي كما هو الأمر في عالمنا العربي عفا الله عنه. ذكر مراسلنا أن رجلاً طلب من المزورجي أن يزور له أربع هويات؛ واحدة كشيعي وأخرى كسني وثالثة كمسلم ورابعة كمسيحي. وفي أثناء ذلك جاء مراجع آخر يريد بطاقة تمكنه من دخول كردستان ككردي أبًا عن جد. وفي الباب الشرقي وقف أحد الباعة يبيع هويات تثبت أنك واحد من الشرطة. وإلى جانبه وقف بائع آخر يبيعك كامل بزة الشرطي من القبعة إلى الحذاء وبكل الشارات والأوسمة المناسبة.
شعرت وأنا أقرأ ذلك بأنني كنت أقرأ نصاً من كوميديات شكسبير وسواه من كتّاب العهود الماضية. فقد كان تغيير هويات شخوص المسرحية من البدع والوسائل الفنية لإضحاك المشاهدين وإمتاعهم، الفتى يصبح فتاة، والفتاة تصبح عجوزًا، والعروس تتحول إلى خادمة، والخادمة إلى عروس... وهكذا، كما نجد في أوبرا موتزارت «زواج فيغارو». ولكن المخرجين كانوا يفعلون ذلك بتغيير الملابس والباروكات. في العراق يفعلون ذلك بتغيير بطاقة الهوية فيصبح المسلم نصرانياً والسني شيعياً ويتزوج شيعية ثم يكتشف أنها سنية، وتعرس المسلمة على حنفي مسلم وتفرح بجواز سفره الأميركي ثم تكتشف أنه نصراني وجواز سفره مزور. دنيا العجائب وهات الكوميدي المهرج جعفر أغا لقلق زادة ليكتب لنا ما شاء من كوميديات ومشاهد مضحكة. ولكن أيام جعفر لقلق زادة قد مرت وفاتت وحلت محلها مسرحيات وأفلام الألم والموت والخطف. وفي أثناء ذلك راح الأطباء والعلماء والأساتذة يتوسلون بالمزورجية أن يزوروا لهم هوياتهم ويزيلوا منها هذه المؤهلات المهنية العالية وأن يكتبوا بدلاً منها المهنة نزّاح مراحيض أو كناس شوارع أو أي شيء يدل على الجهل والتخلف فلا يأمن على نفسه في هذه السنوات من الخطف والذبح غير الجهلاء والمتخلفين.
هنا أيضاً يجدر بهم أن يتعلموا شيئاً من شكسبير، ففي مسرحية «العاصفة» ينقلب أحد الأشخاص إلى حمار، بفعل أكسير سحري، وتقع بحبه بطلة المسرحية كحمار. تتوله به وتعجب بحكمته وبعقله ومعرفته وحسن إدارته لدولة الحمير. على الأطباء والعلماء والأساتذة العراقيين أن يفتشوا الآن عن ذلك الأكسير الذي يظهر أن أكثرية المرشحين قد سبقوهم في الاهتداء إليه وتناوله، وفازوا في الانتخابات بفضل هذه اللوذعية السحرية وراحوا يسنون لوائح قانونية عجيبة تجعل من الحرامي وطنياً ومن الوطنيين حميراً.