إميل أمين
كاتب مصري
TT

روسيا.. إشكالية حجر العثرة

هل أضحت روسيا حجر عثرة في الشرق الأوسط عامة وفي منطقة الخليج العربي بنوع خاص؟
المؤكد أن روسيا ومنذ تدخلها في الشأن السوري، تحاول أن تقدم ذاتها للعالم بوصفها طرفًا محاربًا للإرهاب والتطرف، وهي رؤية انقسم المجتمع الدولي من حولها ولا يزال، وبدا الأمر وكأن قعقعة السلاح في الميدان هي التي تحسم الأمر، لا سيما في ظل حالة التخاذل الأميركي الواضح للعيان، الأمر الذي دعا «نوربرت رويتجين» الحليف البارز للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل يؤكد أن «روسيا أصبحت لها اليد العليا في المنطقة، وهذا أمر جديد وفقًا للقياسات التاريخية».
ولأن المسألة السورية باتت إشكالية سيزيفيه، لا يعلم أحد متى وكيف يمكن لها أن تنتهي وأية مآل تؤول، فإن التركيز الآن يتركز حول الحقائق الجديدة التي تحاول موسكو تخليقها في الخليج العربي، وجميعها بلا شك ترتبط ارتباطًا جذريًا بفكرة لعبة الشطرنج الإدراكية مع الجانب الأميركي، حتى وإن كان العزف على أوتار السلم والأمن الدوليين في منطقة ملتهبة بطبائع الأحداث.
ما مدعاة هذا الحديث؟
بالقطع حالة الرضا الروسي غير المسبوقة على إيران، والعمل على جعلها حليفًا استراتيجيًا، يشارك موسكو في تحديات وتهديدات مشتركة، على حد تعبير وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، عند لقائه وزير دفاع إيران حسين دهقان الأيام الأولى من الأسبوع الحالي.
عن أية تهديدات يتحدث شويغو، وتاريخ إيران وراءها ومحاولاتها تصدير ثورتها آيديولوجيًا ولوجيستيًا للمنطقة بأسرها معروفة للجميع؟
ما يجري من قبل موسكو جد خطير، ويستحق وقفة ومراجعة من العالم العربي، إذ يبدو أن الأحلام البوتينية آخذة في الاضطراب، ذلك أنه بسبب رغبته التي لا تخفى على أحد في الثأر من العم سام، يود أن يحول المنطقة التي كان لواشنطن فيها الباع الأكبر طوال عقود إلى جحيم، عبر تسليح طهران بأسلحة تدفع الأطراف الإقليمية إلى أتون السباق التقليدي المسلح، وربما الأسلحة غير التقليدية.
وقت كتابة هذه السطور كان الروس يقومون بتسليم الإيرانيين المجموعة الأولى من صواريخ S300، ليس هذا فقط، بل يبدو أن المحاولات الإيرانية تكاد تفلح في إقناع الروس ببيع منظومات صواريخ S400، التي لا توجد إلا لدى الجيش الروسي، لهم، وذلك ضمن صفقة شراء سلاح تتراءى من على البعد بين طهران وموسكو تتجاوز المليارات العشرة من الدولارات.
والثابت أنه إذا كانت إيران قد انتهت ولو مرحليًا لعقد أو أكثر احتمالات المواجهة المسلحة مع الغرب بعد توقيع الاتفاقية حول برنامجها النووي، فإن علامة الاستفهام هنا، لمن توجه طهران «سم نبال جعبتها»؟
لا يتبقى على الخريطة سوى جيرانها من عرب الخليج، وهي لا تخفي طموحاتها الإمبراطورية في أن تكون لها السيادة والريادة واليد العليا، وهذه بدورها لا تغيب عن ناظري واضعي السياسات الروسية ومنفذيها، وعليه فالمضي قدمًا في صفقات سلاح بهذا الشكل لا يحمل إلا معنى ومبنى واحدًا وهو موافقة موسكو على جعل طهران مركز قلاقل في المنطقة، مما يعني أن روسيا أضحت حجر العثرة بامتياز، لا ساعية لمواجهة الإرهاب والقضاء على «داعش».
الصفقة التي ينتظر أن توافق عليها موسكو لطهران تشتمل على توريد منظومات «باستيون» الساحلية ذاتية الحركة المزودة بصواريخ «ياخونت» المادة للسفن، وطائرات التدريب والقتال «ياك 13» ومروحيات «مي - 8»، و«مي - 16» وفرقاطة روسية الصنع وغواصة ديزل كهربائية، ومعدات حربية أخرى.. هل هذه هي الصفقة برمتها؟
يبدو أن هناك ما هو أشر وأخطر، ويتمثل في محاولة إيران الحصول على مقاتلات «سو - 30 إس إم» الحديثة التي تنتجها شركة «سوخوي»، وهذا سيمثل نقلة في تحديث القوات الجوية الإيرانية، والتي توقف تجديدها منذ ثلاثة عقود على الأقل، وقد يكون في الأفق بين طهران وموسكو تعاون على تنظيم إنتاج محلي لتلك المقاتلات في الأراضي الإيرانية بترخيص روسي.
هذه هي بشائر الاتفاقية النووية، ومسارب إنفاق الأموال الإيرانية المجمدة لدى الأميركيين، وكأن واشنطن أبدًا ودومًا مدفوعة بقوة جبرية تكرر عبر ضغوطاتها أخطاء الماضي، ولا تتعلم من أحاجي الكون ومآسي الإنسان.
السؤال الجدير بطرحه: هل تفعل موسكو ذلك حبًا وكرامة في عيون الإيرانيين؟
يبدو أن القوى الكبرى تكرر الأخطاء ذاتها، فروسيا القيصرية الأرثوذكسية، تغض النظر عن عمق النيات والخبايا، بل والخفايا الدوغمائية لإيران والإيرانيين، في مقابل اعتبار طهران أداة تسعى من خلالها إلى تعزيز هدفها الاستراتيجي الأكبر، وهو بلوغ مركز قوة، بهدف الوقوف على قدم وساق مع الولايات المتحدة على وجه الخصوص، والوصول إلى صيغة ما تجبر الأميركيين على التوصل إلى شراكة عسكرية وسياسية معهم، مما يعني أن إيران ودورها المستقبلي بالنسبة لروسيا، لا يتجاوز اعتبارها بيدقًا على رقعة المنطقة يمكن تحريكه يمينًا ويسارًا لتغيير التوازنات الاستراتيجية في الشرق الأوسط والعالم، ولقطع الطريق علي الأميركيين في استدارتهم نحو آسيا.
هل على دول الخليج وبقية دول العالم العربي من جديد دفع أكلاف هذه المواجهة، لا سيما أن «الناتو» يقف طويلاً عاقدًا ذراعيه على صدره أمام الخلل الاستراتيجي الذي تحدثه روسيا في المنطقة، وصفقات إيران المسلحة خير دليل على ذلك؟
مهما يكن من أمر الجواب.. تدرك روسيا أنه لا بد للعالم من العثرات.. لكن الويل لمن تأتي منه العثرات.