سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

البخت

كتب الناقد الفني القدير طارق الشناوي مقالاً حول الدعابات الساخرة المنسوبة إلى أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، وقال إن معظمها غير صحيح لأنه جارح ولا يمكن لمن كان في آداب الراحلين أن يأتي بمثله. وروى على سبيل المثال كيف أن عبد الوهاب سأل محمد القصبجي، موسيقار فرقة كوكب الشرق، إن كان يبيع ربطة عنقه بخمسة جنيهات، فقالت «ثومة»: «الله! دي عليها زيت بخمسة جنيه». وكنت قد سمعت الطرفة نفسها من أحمد بهاء الدين، عن نفس الربطة ونفس كمية الزيت ونفس الثمن، لكن الرجل كان العازف الرائع الآخر، الحفناوي، وليس القصبجي.
أميل إلى الاعتقاد، مع طارق الشناوي، أن هناك مبالغات في ما روي وما نسب. فقد كان العملاقان مثل «جحا»، يمكن أن ينسب إليهما أي مفاكهة أو لمحة أو سرعة خاطر. لكنه يعرف أكثر مني أن المصدر الرئيسي لتلك النكات، كان في الغالب واحدًا من اثنين: أم كلثوم أو عبد الوهاب.
قد لا تقول أم كلثوم للقصبجي أو الحفناوي في حضوره «دي عليها زيت بخمسة جنيه»، لكن شهرة العازفين في الحرص والإمساك المالي، تسمح بتأليف نكتة في غيابهما. ومما أعرفه من أصدقاء عبد الوهاب عن ذكائه ولمحاته، أنه كان يملأ المجالس بالحكايات الساخرة عن زملائه وكأنها حصلت فعلاً. ولعله كان أكثر من نسب إلى أم كلثوم، أشياء وقعت حقًا أو لم تقع.
ومعروف عنه أنه تضايق من شهرة فريد الأطرش كما تضايقت أم كلثوم من شهرة أسمهان، حتى إن بعض العقول المريضة (جدًا) أذاعت أن الذي تآمر لقتل أسمهان، لم يكن المخابرات البريطانية، ولا أهل زوجها المحافظين جدًا، بل غيرة أم كلثوم من تلك الحنجرة الصنّاجة.
وكان عبد الوهاب يتولى توزيع النكات عن فريد. أما فريد فلم يكن مقصرًا على الإطلاق في تأليف النكات على حرص أم كلثوم وعبد الوهاب، الذي لم يكن أقل من سمعة الحفناوي أو القصبجي، في حين كان معروفًا أنه كريم ومبذر، وقد توفي غارقًا في الديون. وهذا بالضبط ما حاول عبد الوهاب وأم كلثوم تجنبه، لكثرة ما رأيا من نهايات بائسة في أوساط الفنانين، كبارًا ومغمورين.
الأكثر لذعًا في كل ما سمعت، ما رواه عبد الوهاب: عندما بدأ فريد الأطرش الغناء، ذهب إلى أم كلثوم ليُسمعها صوته ويأخذ رأيها به. أدى أغنية، ثم أخرى، ووقف مودعًا، فقالت أم كلثوم: ما قلتليش اسم حضرتك. قال: فريد الأطرش. قالت وهي تودعه: يا بختك!