سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

يضحك.. يضحك

في السبعينات انتشرت في بعض صحف لبنان إعلانات موسمية من صفحة كاملة تتحدث عن أمجاد «الزعيم المبجل لأربعين مليون كوري كيم إيل سونغ». وكانت تلك الأمجاد محصورة في شتائم كوريا الجنوبية ودحر الإمبريالية وعدد القوات العسكرية الباسلة. وبعد وفاته حل بكوريا الشمالية نجله كيم جونغ إيل، وهو رجل ناحل يضع نظارتين طبيتين، ويطلق الصواريخ ويستعرض القوات المسلحة ويشتم الجنوب ويدحر الإمبريالية. لم يعمِّر إيل الابن طويلاً، فحل محله ابنه كيم إيل جون، وهو سمين ضاحك حليق الفودين، هوايته إطلاق الصواريخ الباليستية والتقاط الصور خلف المدافع، أحيانا برفقة شقيقه الأصغر (أيضًا شديد الضحك). وقد فاق كيم جون، كيم الأب، وكيم الجد، عندما أطلق قمرًا إلى الفضاء، يغني ويخطب ويطلق الصواريخ عند الضرورة.
حيال ذلك فعل مجلس الأمن ما يفعله دائمًا. أصدر بيانًا شديد اللهجة وبالإجماع. منذ كيم الأول المبجل لم تصدر كوريا الشمالية مرة بيانًا حول إنتاج القمح. حول حال الغذاء. حول مستوى الدخل. حول الحريات العامة. حول العلاج. حول المجاعة وضحايا البرد. حول أعداد الذين يفرون إلى الصين كل يوم. فقط الصورة اليومية، الزعيم المبجل ممتلئًا بنفسه، منتفخ الأوداج، يطلق الصواريخ ويضحك.
المسألة أن الفتى الضاحك ليس قضية محلية فقط، رغم فظاعتها الإنسانية، فاللهو بالأسلحة النووية والباليستية خطر بشري عام. وليس هناك ما يضمن إطلاقا أن النقص في المال قد يبعث الصدأ في هذه الترسانة، كما حدث في تشيرنوبيل يوم أدى التسرب النووي إلى أضرار عبرت أوكرانيا إلى أوروبا، ولا تزال آثارها في تركيا إلى اليوم.
كوريا الشمالية حالة خاصة جدًا منذ الجد الأكبر. وإذا كان المقصود من السلوك المبجل إرهاب الخارج كما الداخل، فإن ذلك قد تحقق بنجاح. وأي عاقل يفكر في معنى الخطر النووي على هذا الكوكب، لا بد أن يرتعد عندما يشاهد الفتى ضاحكًا خلف مدفع، أو يشاهد مذيعته التلفزيونية الشهيرة تتوعد العالم بقوة الفتى المبجل، الذي يترك شعبه للمجاعة بين أهم ثلاث قوى اقتصادية في العالم: الصين، اليابان، وكوريا الجنوبية.
جاراته تحقق أعلى مستويات النمو والتقدم، وهو يلتقط لنفسه الصور الاحتفالية، ضاحكًا منتفخًا لاهيًا بألعاب هيروشيما.