مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

قول الخير أو الصمت

معروف أن جبل (فيفا) الواقع في الجنوب الغربي من السعودية يعتبر من أجمل الجبال، غير أن الصعود إلى قمته (وراءه خرط القتاد)، حيث إن الطريق ضيق ومتعرج، وكنت خامس خمسة محشورين في سيارة دفع رباعي، وكان السائق يتمتع بغشامة لا بأس بها.
وعند منعطف حاد شاهدنا رجلاً عجوزًا يسير على قدميه، وتوقفنا بجانبه نسأله عن مدى خطورة ذلك المنعطف، فقال لنا بما معناه: إنه ليس خطرًا جدًا، ولكن كل السيارات التي انزلقت من خلاله هوت إلى القاع وصرع جميع ركابها.
وما إن سمعت جملته تلك حتى (تحلحلت ركبي) من شدة الخوف، إلى درجة أنني فتحت الباب رافضًا رفضًا قاطعًا استئناف الصعود معهم، مفضلاً الهبوط والرجوع على قدميَّ، وهذا هو ما حصل فعلاً. صحيح أنني عانيت من السير عدة ساعات حتى وصلت إلى السفح، ولكنني على الأقل ضمنت الحياة، وصدق من قال: (إن العمر مش بعزأه).
وهكذا هم بعض الناس (يا سبحان الله) تنقصهم (اللباقة)، مثل ذلك الرجل العجوز، وإليكم مجموعة كنت قد عزمتهم في منزلي على (كبسة دجاج)، وإذا بأحدهم بعد أن ملأ بطنه وتجشأ التفت لي قائلاً: ما أطيبها من كبسة - ويا ليته توقف عند ذلك - ولكنه أتبعها قائلاً: الحمد لله أن ثمن الدجاج رخيص في هذه الأيام.
وعلى شاكلة هذه النماذج الكثير الكثير.
مثل تلك السيدة التي أشادت بجمال فستان أخرى، ثم قالت: ولكنك للأسف لم تجدي ما يناسب قياسك «اللارج».
أو ذلك الذي يهنئ أحدهم بحصول ابنه على وظيفة، ثم يسأله عن (الواسطة) التي لجأ لها.
أو تلك الأم التي أخبرها ابنها بألم أن زوجته التي يحبها قد هجرته وذهبت إلى بيت أهلها، فردت عليه بكل (جفاصة) قائلة: وما هو الذي أخرها حتى الآن؟!
أو الأم الأخرى التي شاهدت ابنتها تتأمل طويلاً بوجهها أمام المرآة، فقالت لها بكل غباء: لا تقلقي يا حبيبة عمري من كبر واعوجاج أنفك، فأنا أعرف جراح تجميل يستطيع أن يعدله لك.
أو تلك المرأة طويلة اللسان التي كانت تغار من أخرى عندما شاهدتها متشيكة، فقالت لها: أهذا هو فستانك الجديد؟!، إنه أشبه ما يكون بقماش كراسي السفرة، فردت عليها الأخرى تريد أن تهزئها وتلقمها حجرًا قائلة: طيب هيا تعالي يا أختي واجلسي عليه، فلم تكذب طويلة اللسان خبرًا، وأتت مسرعة و(حطزت) جالسة في حضنها.
أكتفي بهذه الأمثال ولا أملك إلا أن أقول ما أروع الحديث الشريف «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت».