حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

مفتاح السعادة

عندما أطلق المغني الشعبي الأميركي فاريل ويليامز أغنيته التي لاقت نجاحا هائلا، والمعروفة باسم «هابي» أو سعيد، وهي أغنية بسيطة جدا في كلماتها تصف سعادة الرجل، وتم تطويرها بلغات كثيرة حول العالم تحمل في تصوير لقطاتها النسخة المحلية لثقافة البلد صاحبة اللغة المقدمة في الأغنية.. أغنية تحدثت عن السعادة، وهي الكلمة التي ينشدها سكان العالم باختلاف لهجاتهم وثقافاتهم، لمست هذه الأغنية وترا حساسا ومهما لدى أعداد مهولة من الناس.
السعادة لا تقتصر على أغنية، ولكنها تحولت إلى قائمة ومؤشر لقياس أكثر الشعوب سعادة حول العالم. وهناك الكثير من القوائم التي تبحث في هذه المسألة، وتحولت مع الوقت إلى وجود قناعة قوية بأن أكثر الشعوب سعادة حول العالم هي شعوب الدول الاسكندنافية وكندا ونيوزيلندا.
هذه الفكرة (إسعاد الشعوب) كانت ملهمة للشيخ محمد بن راشد حاكم دبي لأن يطلق فكرة جديدة ومميزة، وهي إطلاق مؤشر للسعادة، ويتم فيها قياس مدى رضى المواطنين والمقيمين والزائرين والسياح لإمارة دبي عن الخدمات الحكومية المقدمة في مختلف المجالات بشكل دوري ومنتظم، وذلك في سابقة إدارية خلاقة لاقت استحسان الجميع، بل إن الشركات العملاقة نفسها هي أيضا تمكنت من أن تجد للسعادة سببا في تكوين ثقافتها، فها هي شركة والت ديزني الأميركية العملاقة، والمعروفة والمتخصصة في مجالات الترفيه بأنواعه أطلقت شعارا بسيطا، ولكنه في غاية الأهمية وهو: «أن نجعل الناس سعداء». شعار بسيط ولكنه عبقري.
تذكرت كل ذلك وأنا أسترجع حديثا لي مع صديق قديم يعمل طبيبا نفسيا، وهو يسرد لي الحالات المتزايدة التي ترد إلى عيادته، ويتم تشخيصها بأمراض مختلفة مثل الاضطراب والاكتئاب والتبول اللاإرادي والهلوسة والانفصام والثنائية القطبية وغيرها من الأمراض الحادة، موضحا أن العلة ليست في انتشار «عدد الأمراض» ولكن كثرتها أيضا، وطبعا من الممكن أن يكون الأمر له علاقة بزيادة واضحة في الثقافة المتعلقة بالأمراض النفسية، إلا أن الجانب الآخر يوضح لنا أن هناك نموا خطيرا في العلل والأمراض النفسية في المجتمعات العربية، وقد يكون من أسباب ذلك غياب «السعادة» كهدف استراتيجي للحكومات العربية.
وبقدر ما تبدو هذه الجملة غريبة بل ومضحكة بقدر ما هي جادة جدا، ففنزويلا أسست وزارة للسعادة الاجتماعية، وأسست مملكة بوتان مجلسا أعلى للسعادة، وأطلقت مؤشرا للناتج القومي للسعادة.
السعادة كلمة جميلة تبناها الدستور الأميركي في جملة عظيمة عندما ذكر أن المواطن له الحق في السعي إلى السعادة. السعادة هدف إنساني نبيل، ولكن الأجمل أن يتم احتواؤه في الدولة وأهدافها وسياساتها وتوجهاتها، وبذلك يكون الطرح أكثر واقعية وأهم.
يبدو أن علاقة العرب بالسعادة علاقة سلبية لا تذكر إلا تذمرا، فيقال الله يهني سعيد بسعيدة!