كاترينا فاندن هوفيل
TT

«الحريات الأربع» تتعرض لهجوم

في عمودها الصحافي المشترك الذي نشر يوم 6 يناير (كانون الثاني) عام 1941، كتبت إليانور روزفلت: «أميركا ليست مجرد كومة من الأشياء الجيدة، والرفاهية الأكثر، ومزيد من سبل الراحة، ونظام اتصال هاتفي أفضل، وعدد أكبر من السيارات. أميركا هي حلم بقدر أكبر من العدالة والفرص للإنسان العادي، وإن لم نتمكن من تحقيق ذلك، فإن كل إنجازاتنا تكون في النهاية لا شيء».
بعد ظهر ذلك اليوم، ألقى الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت خطاب حالة الاتحاد السنوي، أوضح خلاله ما تؤكد عليه الولايات المتحدة من قيم ومبادئ. فقد تحدث بقوة عن القيم الأساسية في قلب الديمقراطية الأميركية، التي وصفها بمثابة ترياق فعال للطغيان الأوروبي المفرط. وتصور العالم وهو يتمتع بـ«أربعة أنواع من الحريات الإنسانية الأساسية» في جوهره، وهي: حرية الرأي والتعبير، وحرية العبادة، والتحرر من الحاجة، والتحرر من الخوف. وأعلن أن مثل هذا العالم يمكن «بلوغه في عصرنا وجيلنا».
وبعد مرور خمسة وسبعين عامًا، أصبحت رؤية روزفلت مهددة من قِبل السياسة الرجعية التي تعتبر الحرية مجرد أضحوكة لمزحة قاسية ضد الشعب الأميركي. ففي عشية إجراء انتخابات عام 2012، قلت إن الساسة الجمهوريين - بولائهم للمانحين المليارديرات، ومعارضتهم الحماسية لحقوق المرأة في الاختيار، واستخفافهم القاسي بالعمال الفقراء، وتعصبهم المرعب للأسلحة الهجومية - حرّفوا الحريات الأربع تمامًا. والآن، في خضم استعداد الناخبين لاختيار الرئيس المقبل، تتعرض فكرة الحرية مجددًا لضغوط، ويجري اختبارها بأساليب جديدة.
وعلى الرغم من تصدر دونالد ترامب استطلاعات الرأي، كان الفائز الحقيقي في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري هو سياسة الخوف. فبكلامه الطنان والعدواني تجاه المهاجرين والمسلمين، يبدو أن ترامب أتقن فن بث الخوف الغوغائي. لكنه ليس وحده بالتأكيد الذي يزرع الخوف والهستيريا بين الناخبين. فأثناء المناظرة التي انعقدت الشهر الماضي حول الأمن القومي، على سبيل المثال، وعد حاكم نيوجيرسي كريس كريستي بتصعيد المواجهة الخطيرة بالفعل مع روسيا، معتبرًا نفور الرئيس الأميركي باراك أوباما من العدوان العسكري دليلاً على أنه «متردد سقيم». وبعد ذلك دافع كريستي عن وعيده خلال مقابلة تلفزيونية على قناة وطنية في صباح اليوم التالي، معلنا: «نحن بالفعل في حرب عالمية ثالثة».
وفي غضون ذلك، في أعقاب الهجمات المروعة على باريس وسان برناردينو، أسهم الخطاب السياسي المحموم والتغطية الإعلامية المثيرة في تفاقم الشعور بمخاطر الإرهاب. وكما كتب ستيفن كينزر في صحيفة «بوسطن غلوب» أخيرا: «أصبح الخوف جزءًا من حياتنا اليومية. وليس هناك ما يبرر ذلك في الواقع. إن خطر الإرهاب الحقيقي داخل الولايات المتحدة هو جزء طفيف مما يريد كثير من الأميركيين اعتقاده. لقد أصبحنا الولايات المتحدة المذعورة».
إن الحرمان من التحرر من الخوف يهدد نوعًا آخر من الحريات الأربع التي وضعها روزفلت، ألا وهي: حرية العبادة؛ فبينما تتعرض «الحرية الدينية» لانتهاكات على مدى سنوات طويلة لتبرير كل شيء، بدءًا من تقييد حرية الحصول على وسائل تنظيم النسل، نشهد الآن تهديدات سياسية ضد العقيدة كلها. فقد دعا دونالد ترامب إلى إنشاء قاعدة بيانات للأميركيين المسلمين، فيما اقترح السيناتور ماركو روبيو إغلاق «أي مكان ملهم للمتطرفين»، بما في ذلك المساجد التي تساهم في ذلك. وناقش السيناتور تيد كروز وحاكم فلوريدا السابق جيب بوش فرض حظر على اللاجئين الفارين من الصراعات في منطقة الشرق الأوسط ما لم يتمكنوا من إثبات أنهم مسيحيون. إن جرائم الكراهية ضد المسلمين آخذة في الارتفاع. وقد تساءل روبيو، النجم الصاعد في سماء الحزب الجمهوري: «هل توجد أدلة قاطعة على أن أميركا لديها مشكلة تتعلق بالتمييز ضد المسلمين»؟
اعتقد روزفلت أن التحرر من الحاجة هو جزء لا يتجزأ من الحرية نفسها. وكان ذلك هو الأساس لـ«ميثاق الحقوق الاقتصادية»، الذي أعلنه في عام 1944، قائلا: «إن حرية الفرد الحقيقية لا يمكن أن تتحقق من دون الأمن والاستقلال الاقتصادي». لكن يتضح أن الحزب الجمهوري لا يتشارك هذا المفهوم حاليًا. فما وراء مقترحهم المعتاد للضريبة التنازلية، يدعم المرشحون الجمهوريون بأغلبية ساحقة تقليص مخصصات الضمان الاجتماعي ورفع سن التقاعد. وحتى وقت قريب، كان بن كارسون يؤيد إلغاء الرعاية الصحية والطبية. ويعارض كارلي فيورينا قانون الحد الأدنى للأجور الفيدرالي. ويدعي بوش أن الديمقراطيين يغرون الناخبين الأميركيين من أصل أفريقي بـ«أشياء مجانية». وفي الواقع، كما لاحظ الكاتب المحافظ راميش بونورو، لم يقدم المرشحون الجمهوريون ببساطة «أفكارًا من شأنها مساعدة الأسر التي تحاول تدبير أمور معيشتها بالكاد».
وفي حين أن إهمالهم الطبقة الكادحة ليس بالشيء الجديد، فإن الساسة الجمهوريين مفرطون في الاهتمام بمطالب المانحين المليارديرات الذين يمولون لجنة العمل السياسية الداعمة لحملاتهم الانتخابية. ومنذ أن قضت المحكمة العليا بأن المال يساوي الكلام، قفزت تكلفة انتخاباتنا، مما جعل من الصعب على الأميركيين العاديين أن يكون لهم رأي في العملية السياسية. وفي الوقت ذاته، مع تحديد أجهزة الإعلام معايير النقاش المشروع وحجب الأصوات المستقلة، لا تصل الآراء المخالفة في كثير من الأحيان إلى الجمهور الذي تستحقه. وبالتالي، تكون النتيجة هي أن حرية التعبير تنطبق على قلة مميزة أكثر من أي شخص آخر.
في عام 1941، تحدث روزفلت بوضوح بشأن التهديدات الخطيرة التي تتعرض لها أميركا «من الخارج». أما الآن، نحن نواجه نوعًا مختلفًا من الخطر - لكنه يتطلب أيضًا اهتمامنا جميعًا - من الداخل. في الذكرى الخامسة والسبعين لخطاب الحريات الأربع لروزفلت، أتمنى أن يكافح الناس للدفاع عن الحريات الأساسية التي وضعت أمتنا في أفضل حالاتها. وفي عام 2016، نحن لا نختار رئيسًا فقط. إنما نختار أي نوع من البلدان نود أن نكون.
* خدمة «واشنطن بوست»