مصطفى فحص
كاتب وناشط سياسي لبناني. حاصل على الماجستير في الدراسات الإقليمية. خبير في السياسة الخارجية لروسيا بالشرق الأوسط. متابع للشأنين الإيراني والعراقي. وهو زميل سابق في «معهد العلاقات الدولية - موسكو (MGIMO)». رئيس «جائزة هاني فحص للحوار والتعددية».
TT

الرياض وطهران وتكلفة الانحياز الروسي

أبدت الخارجية الروسية استعدادها للعب دور الوساطة بين الرياض وطهران، حيث اعتبر مصدر دبلوماسي روسي، أن بلاده «مرتبطة بعلاقة ودٍ مع كلا البلدين. وكأصدقاء، مستعدون للعب هذا الدور إذا دعت الحاجة لذلك»، فاستعجال موسكو احتواء الأزمة يعكس مدى قلقها من خسارة ما تصفه بصداقة تربطها مع السعودية وإيران باتت على المحك، فلم يعد بإمكان الكرملين تدارك حجم التناقض في المصالح بينهما، كما يصعب عليه أيضًا الانحياز لطرف على حساب الآخر. ففي الوقت الذي تتخلى فيه إدارة البيت الأبيض عن الثوابت التاريخية الأميركية في المنطقة، وتتصرف كأنها على حياد لا يخلو من انحياز واضح في عدة حالات لصالح إيران، إضافة إلى قناعة سائدة في واشنطن بأهمية عدم الانخراط المباشر في ما تصفه حرب أهلية في سوريا، والابتعاد عن الصراع الذي يأخذ شكلاً طائفيًا في المنطقة، ما يعفيها من ضريبة الانخراط المباشر، ويلغي احتمال دخولها في مرحلة استنزاف جديدة كما جرى في أفغانستان والعراق، تجد موسكو نفسها في أتون صراعات المنطقة، وفي وضع سياسي وميداني حرج، سيضطرها عاجلاً أم آجلاً إلى اتخاذ خطوات، ستعيق تلقائيًا قيامها بالوساطة بين الطرفين أو الوقوف على الحياد، مما يضعها أمام خيارات كانت في غنى عنها، لولا قرارها التدخل إلى جانب طهران لحماية الأسد.
إذا كانت موسكو مطالبة بإثبات صداقتها للرياض، فإن علاقة الصداقة بينها وبين طهران ليست افتراضية كما في وسائل التواصل الاجتماعي، بل هي واقعية في أكثر من مكان، وهما ملتزمتان برؤية مشتركة، باتت أقرب إلى التحالف في الكثير من قضايا المنطقة، فتموضعهما الحالي في سوريا، هو بوجه مصالح الأمن القومي العربي، وتستغلان ورقة الإرهاب للضغط على الدول العربية المصرة على رحيل الأسد، كما أنهما في توافق تام على مواجهة التدخل التركي في سوريا والعراق، واستغلال المسألة الكردية للضغط على أنقرة. ولكن على الرغم من كل ما يعزز مصالحهما المشتركة، باتت طهران تطالب موسكو بالمزيد من الوضوح في خياراتها، مطالب عبرت عنها قيادات إيرانية مستاءة من التصرفات الروسية في سوريا، بعد مصادرة الكرملين للقرار السياسي في سوريا، واقتصار دور إيران على تقديم العناصر المقاتلة على الأرض، في حين تكتفي موسكو بالتغطية الجوية، فالقلق الإيراني المتزايد من ميل موسكو إلى مراعاة الرياض، تجنبًا لتصعيد الموقف في سوريا، خصوصًا أن طهران لا تزال ممتعضة من الموقف الروسي في اليمن، ما بات يهدد باتساع الفجوة بينهما.
الحفاظ على معادلة شبه التوازن التي تدعي موسكو ممارستها في سوريا أصبحت الآن على المحك، فالرياض استطاعت القيام بخطوة أساسية في عزل طهران، وإحراجها أمام دول العالم، ما يمكنها من اللعب على هواجس القلق الروسية الكامنة في خطورة السير مع إيران إلى النهاية، وهو ما يضعها في مواجهة الأغلبية العربية والإسلامية، فإيران التي فشلت في تحقيق أهدافها في أكثر من بلد عربي، وعجزت عن مواجهة الرياض وأنقرة في سوريا، تختبئ الآن خلف موسكو، ويخشى أن تجرها إلى موقف لا تُحمد عقباه.
تحاول موسكو بشتى السبل ألا تتحول سوريا إلى ساحة مفتوحة للتصعيد بين طهران والرياض، وستعمل المستحيل كي لا تقدم الرياض المزيد من الدعم لقوات المعارضة المسلحة، كما تحاول التأثير على التزام السعودية بموقف المعارضة السياسية في إصرارها على مرحلة انتقالية كاملة الصلاحيات دون وجود الأسد، مع زيادة قلقها من تمسك الرياض بقراءة المعارضة لكل التفاهمات الدولية حول الحل السوري بما فيها القرار الأممي 2245، والبنود الغامضة التي يحتويها.
احتمال التشدد السعودي بالنسبة لموسكو يتقاطع مع ما جرى من توافقات بين الرياض وأنقرة، وتفاهمهما الكامل حول الحل في سوريا ومستقبل الأسد، ما سيضاعف قلق موسكو من استغلال أنقرة للواقع الذي وضعت نفسها فيه، حيث يفسح المجال أمام تركيا إلى مزيد من تحديها في سوريا، على الرغم مما تحاول آلة الحرب الروسية فرضه بالقوة انتقامًا لسقوط «سوخوي 24»، فشبح التصعيد يعيد إلى أنقرة زخمها السابق في سوريا، وخطورته أنه يضع موسكو في مواجهة أكبر قطبين في العالم الإسلامي، يمثلان الأغلبية العربية والإسلامية التي تنتمي لها أغلبية الشعب السوري، وبناءً عليه، باتت الرياض تمتلك أوراقًا ضاغطة تستخدمها في العلاقة بين موسكو وطهران، حيث اتساع حيز المناورة مع موسكو، قد يدفعها إلى مراجعة سياساتها في سوريا قبل فوات الأوان.