محمود محمد الناكوع
TT

الليبيون وخيار الوفاق السياسي

بعد نحو أربعة عشر شهرا من التحاور والجدل والاجتماعات من غدامس الليبية إلى جنيف السويسرية الأوروبية الى الصخيرات المغربية، تم التوصل الى توافق برعاية دولية على تشكيل حكومة وحدة وطنية، والتوافق لا يعنى الاجماع، لأنه يستحيل أن تجمع كل القوى والتيارات السياسية والعسكرية على وثيقة واحدة خاصة، بعد أن فشلت لجنة الستين المنتخبة في انجاز مسودة الدستور، حيث أن أمضت قرابة العامين، وخيار الوفاق الذي يمكن تحقيقه هو وفاق أغلبية القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة، والقادرة على تقديم خطاب معقول يعبر عن ضرورات المرحلة ويتجاوب معه أكثرية الشعب. ووثائق الصخيرات رغم كل الثغرات الموجودة بها ورغم كل نواقصها، فإنها صالحة للعبور بالبلاد من حالة الفوضى وغياب الأمن والتدهور الاقتصادي إلى حالة من الوفاق الضامنة لأحداث نوع من التوازن بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، التي ستعكس التوازن الجغرافي والاجتماعي. لا ننسى أن ليبيا دولة حديثة ولم تعرف مؤسسات الدولة العميقة ولا شبه العميقة، ليبيا بلد ما تزال تحكمه الأعراف والتقاليد القبلية، حتى إن رؤساء المجالس المنتخبة يديرون تلك المجالس لا طبقا للنظم الداخلية، ولكن يديرونها بثقافة وعقلية شيخ القبيلة، الذي لا تعقد الاجتماعات الا بحضوره، ولا تصدر القرارات الا بموافقته، ويبدو أن آراء ابن خلدون التي وصف بها العرب ما تزال سارية حيث قال: أصعب الأمم انقيادا بعضهم لبعض للغلظة والأنفة وبعد الهمة، والمنافسة على الرئاسة فقلما تجتمع أهواؤهم.
والذين يتحدثون عن التشريعات وعن القوانين والنظم إنما يعبرون عن أمنيات ورغبات لإرساء معالم الدولة، وهو أمر جميل وجيد ومنطقي، ولكنه لا يجد القبول من كثيرين بسبب ضعف ثقافة الدولة في الأوساط الاجتماعية القبلية والجهوية، والبديل مرحليا هو خيار الوفاق مع ضرورة وجود وسيط دولي قوي ــ والوسيط أصبح ضرورة ــ لأن انتشار السلاح زاد من تمزيق الوحدة الوطنية وزاد من الطامعين في الاستحواذ على السلطة، وخاصة سلطة المال الذي أصبح مؤهلا يفوق المعرفة والخبرة والكفاءة، بل صار حامل السلاح يملي شروطه على من جاء عن طريق صناديق الاقتراع، والذى تحول الى أداة يصوغ القرارات لإرضاء حامل السلاح، ويمنحه من الأموال أكثر مما يستحق، فزاده ذلك غرورا وتكبرا وغطرسة. وللخروج من هذا المأزق أصبح البحث عن الوفاق هو الخيار الأنجع، ولعله من حسن الحظ تدخل الأمم المتحدة وتخصيص فريق ومبعوث خاص للأمين العام، وبتمويل من المنظمة الدولية للقيام بدور الوسيط بين الفرقاء في عمل يهدف الى إيجاد حلول وسط. ومن بديهيات الوفاق أنه لا يحقق لكل الاطراف كل ما تريد، ولكنه يحقق لكل طرف البعض مما يريد. البلاد الآن تمر بوضع أمني خطير، وقد كشفت بعض التقارير الأمنية مدى اتساع الاختراق الذي حققه تنظيم داعش في العاصمة طرابلس خلال عامي 2014 و2015. وظهر بوضوح غياب المؤسسات الأمنية المهنية وترتب على ذلك أعمال تخريبية، استهدفت سفارات ومراكز أمنية وفنادق، وضربت أمن الجميع في ليبيا. لكل ذلك لا خيار لليبيين الا خيار الوفاق السياسي، الذي تم التوصل اليه بمباركة دولية قوية، ويمكن معالجة النواقص إن وجدت عبر مؤسسات اعترف بها الاتفاق، وهي مجلس النواب ومجلس الدولة وحكومة الوفاق الوطني.