أمير طاهري
صحافي إيراني ومؤلف لـ13 كتاباً. عمل رئيساً لتحرير صحيفة «كيهان» اليومية في إيران بين أعوام 1972-1979. كتب للعديد من الصحف والمجلات الرائدة في أوروبا والولايات المتحدة، ويكتب مقالاً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» منذ عام 1987.
TT

إيران.. السحب الداكنة في الأفق الاقتصادي

«أنتم لم تدفعوا رواتب المعلمين منذ شهور، والآن توقفتم عن دفع رواتب الجيش كذلك». كانت تلك الطريقة التي خاطب بها بهرام بيراواند، عضو المجلس الإسلامي في إيران، رئيس الجمهورية حسن روحاني مؤخرًا.
والمعنى الضمني للبيان يفيد بأنه حين يمكنك إرسال المعلمين إلى السجون حينما يحتجون بسبب عدم تسلم رواتبهم فسوف يكون من العسير للغاية فعل نفس الشيء مع القوات العسكرية والأمنية التي يحتاج إليها النظام في حمايته.
لم يكن النائب بيراواند هو الوحيد الذي يدق ناقوس الخطر حول آفاق الاقتصاد الإيراني. ففي وقت سابق من هذا الشهر، وقع أكثر من مائة عضو من أعضاء المجلس على خطاب موجه إلى الرئيس روحاني يحذرونه من «أعمق حالات الركود في التاريخ الإيراني الحديث» ومن مخاطر وقوع اضطرابات اجتماعية في البلاد. وقبل انضمام أعضاء البرلمان إلى جموع المتقدمين بالشكاوى، كان هناك أربعة وزراء في الحكومة، ومن بينهم وزير الاقتصاد ذاته، كانوا قد رفعوا خطابًا إلى روحاني يبلغونه بشأن المستنقع الآسن الذي تتحرك البلاد نحوه. ولقد أعرب الوزراء في وقت لاحق أنهم لم يكونوا يرغبون في تسريب ذلك الخطاب إلى المجال العام. ولكن كان من الواضح أن التسريب تم على يد أحد منهم.
ونظرًا لأن الأنباء السيئة تأتي متتابعة، نشر خلال هذا الأسبوع تقرير صندوق النقد الدولي حول الاقتصاد الإيراني. ولقد هاجم التقرير المزاعم شديدة التفاؤل التي أطلقها الرئيس روحاني بأن عام 2016 سوف يشهد نموًا في الاقتصاد الإيراني بواقع 3.5 نقطة مئوية. بدلاً من ذلك، فإن التقرير الدولي يتوقع إما بلوغ الاقتصاد الإيراني معدل نمو سلبي بواقع نصف نقطة مئوية أو معدل نمو إيجابي بمقدار مماثل، مما لن يكون له أي معنى من الناحية الإحصائية.
وفقًا لتقديرات وزارة العمل الإيرانية، فإن سوق العمل الإيرانية تفقد في المتوسط ألف وظيفة كل يوم. ويؤكد تقرير صندوق النقد الدولي ذلك الأمر من خلال توقعات بقفزة في البطالة تحققها سوق العمل الإيرانية من 11.9 في المائة خلال هذا العام إلى 12.5 في المائة في عام 2016.
والملاحظة الإيجابية الوحيدة التي تضمنها تقرير صندوق النقد الدولي حول إيران تكمن في مخاوف تتعلق بسعر النفط، الذي يتوقع أن يصل إلى متوسط 52 دولارًا للبرميل. ومع ذلك، فإن السعر الحالي يحوم حول 35 دولارًا للبرميل، مع احتمال أن يشهد انخفاضًا آخر تقريبًا. وحتى مع ارتفاع أسعار النفط، فإن الكثير في إيران يتوقف فعليًا على ما إذا كان الحظر المفروض على صادرات النفط الإيرانية سوف ينتهي، حيث تراوحت الصادرات النفطية الإيرانية حول 1.24 مليون برميل في اليوم خلال العام الحالي. وفي عام 2016، يتوقع أن يرتفع ذلك الرقم إلى 1.81 مليون برميل في اليوم، شريطة أن يكون هناك ما يكفي من الطلب على النفط الإيراني.
يحذر صندوق النقد الدولي أيضًا بشأن مخاطر التضخم المتصاعدة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى قرار الحكومة الإيرانية أن تجري قليلاً من «التخفيف الكمي» من تلقاء نفسها، مما يعني طباعة المزيد من الأموال بنفس الطريقة التي قام بها الرئيس باراك أوباما في الولايات المتحدة. وتكمن المشكلة في أن إيران ليست الولايات المتحدة، حيث يمكن للأميركيين طباعة السندات الحكومية من دون أسعار لفائدة تذكر ويضمنون أن أحدهم، وفي العادة ما يكونون رجال الأعمال الأثرياء من الصين، سوف يشتريها. ولكن الجمهورية الإسلامية، رغم ذلك، كان عليها التخلي عن خطط السندات الحكومية الموجهة إلى سوق رأس المال الدولي بسبب عدم موافقة أي بنك غربي كبير على الاكتتاب حتى في جزء منها.
ولقد سجل الدخل الإيراني من العائدات النفطية هبوطًا بأكثر من 20 مليار دولار في عام 2015 من توقعات بـ 55.4 مليار دولار إلى 35.3 مليار دولار فقط.
من الناحية النظرية، يبدو احتياطي إيران من العملات الأجنبية في حالة صحية عند مستوى 142 مليار دولار وفقًا لصندوق النقد الدولي. والمشكلات هي أنه نظرا للعقوبات المتعلقة بالقضية النووية، فإن الكثير من الدخل الإيراني يظل مجمدًا في الحسابات المصرفية التي لا تستطيع طهران الاستفادة منها. وجزء كبير من ذلك الاحتياطي تم جمعه في عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد نتيجة للعقوبات الدولية. ولقد كان الرئيس نجاد، الذي تقدمت به السن كثيرًا، من الأثرياء، إلا أنه لا يستطيع التحكم أو التصرف في أمواله.
حاول أوباما مساعدة روحاني، الذي يعتبره ذا قدرات معتدلة على كبح جماح سلطات المرشد الإيراني الأعلى، من خلال السماح بالإفراج عما يقرب من 8 مليارات دولار من الأصول الإيرانية المجمدة منذ محادثات جنيف حول القضية النووية في عام 2014.
ومع ذلك، وحتى إذا تم الإفراج عن كل الأصول المجمدة لإيران في الخارج، وهناك خلاف فعلي حول المقدار الحقيقي لتلك الأموال، فسوف يستمر الاقتصاد الإيراني في المعاناة من العيوب الهيكلية العميقة التي لا يمكن لأي مبلغ من المال أن يصلحها.
عندما استولى الملالي على السلطة في عام 1979 اندفعوا في ثورة تأميم وطنية محمومة مستوحاة من حلفائهم الشيوعيين السابقين والذين اعتبروا الاتحاد السوفياتي النموذج الأمثل للمجتمع الإنساني. وفي غضون أسابيع، كانوا قد أمموا كل شيء في البلاد تقريبًا، مما ألحق الدمار الأكيد بالنخبة الرأسمالية والإدارية التي تشكلت في إيران عبر قرن كامل من الزمان.
كانت النتيجة هي الفوضى المحققة. لذا، ووفقًا لمرسوم من ثماني نقاط صادر عن آية الله الخميني، حاولوا عكس الموجة عن طريق السماح لبعض الملاك والمديرين السابقين بالعودة في مقابل رشى ضخمة تحت شعار «معاونة الإمام على التمويل» أو غير ذلك من المشروعات تحت شعار «مساعدة المعوزين». ومع ذلك، وبعد هروبهم إلى المنفى، لم يقرر كثير من الملاك والمديرين العودة مجددًا إلى إيران. مما مكن الملالي وشركاءهم في الأعمال من الاستيلاء على كل ما تطوله أيديهم. وفي عام 1988، قدرت الحكومة عدد الشركات الخاصة المستولى عليها من الملاك بما يزيد على 75 ألف شركة.
في تلك الأثناء، حولت المؤسسات الدينية المختلفة من أنشطتها الدينية إلى شركات أعمال، وكل مؤسسة تعمل على تأمين موضع لها في السوق. وصارت الصورة العامة أكثر ارتباكًا حينما شاركت المؤسستان العسكرية والأمنية في تلك الوليمة، من حيث تأسيس شركاتهم الخاصة وتأمين الاحتكار على قطاعات من الاقتصاد الوطني والتجارة الخارجية. على سبيل المثال، فإن أكبر تكتل للبناء والتشييد في البلاد يعود إلى الحرس الثوري الإيراني. (ولقد كان ذلك التكتل تحت رئاسة روحاني لأكثر من عشر سنوات). كما أن القائد العام لقوات الحرس الثوري الإيراني يترأس بنفسه مجلس إدارة 23 شركة إيرانية.
وفي واحدة من أكثر اللحظات عدوانية، زعم أحمدي نجاد أن الحرس الثوري الإيراني يدير تجارة السوق السوداء داخل إيران، ولا يسدد أية ضرائب عن أكثر من 200 شركة من التي يسيطر عليها. وفي حين أن أحدًا لا يعرف على وجه الدقة ما الذي يجري في تلك المؤسسات المزعومة، بما في ذلك أكبرها حجمًا، تلك التي تعمل في حرم الإمام الرضا في مدينة مشهد، فإن قطاعات كبيرة من التجارة الخارجية الإيرانية تخضع لسيطرة الملالي الأقوياء، وأحدهم يحتكر بمفرده واردات السكر إلى البلاد، والآخر يتحكم في أغلب المعاملات التجارية مع الصين.
حاول أحمدي نجاد دمقرطة الفساد عن طريق خصخصة الشركات المملوكة للدولة والتي تقدر قيمتها بنحو 30 مليار دولار بنصف السعر، وكانت النتيجة طفرة كبيرة في الشخصيات ذات النفوذ داخل الشبكات العسكرية والأمنية في البلاد، مما ترك المواطن الإيراني البسيط يعيش على الفتات. وفي حين أنه ما من شك في أن روحاني ارتكب الكثير من الأخطاء، ومنها على سبيل المثال زيادة الميزانية العسكرية بواقع 21 في المائة لحشد التأييد السياسي الذي يحتاجه، فلن يكون من قبيل الإنصاف إلقاء التبعة عليه وحده بشأن الفوضى التي يشهدها الاقتصاد الإيراني حاليًا. فلقد ورث نظام حكم غير قابل للإصلاح، ومزيجًا غريبًا للغاية من الاقتصاد الاشتراكي والفوضوية. والأموال التي يخطط أوباما للإفراج عنها قد تساعد في إنقاذ النظام الإيراني لفترة من الوقت. ولكن على المدى الطويل، رغم ذلك، لن تتمكن إيران من بناء اقتصاد حديث مع نظام يستند إلى عقلية أصحاب الدخول من الأعمال، والفساد المتأصل، والاختلاس المشرعن.