عبد الرحمن الراشد
إعلاميّ ومثقّف سعوديّ، رئيس التحرير الأسبق لصحيفة «الشّرق الأوسط» ومجلة «المجلة» والمدير العام السابق لقناة العربيّة. خريج إعلام الجامعة الأميركية في واشنطن، ومن ضمن الكتاب الدائمين في الصحيفة.
TT

ترامب ولوبان خير صديقين لـ«داعش»

في سبيل محاربة العنصرية والكراهية وصلت دولة مثل النمسا إلى حد منع كل ما يرمز إلى النازية، حتى في لوحات السيارات تمنع طباعة مثل رقمي «88» لأنها توحي بحرفي تحية «هايل هتلر»، وكذلك «1919» و«18»، وأيضا «AH» لأنهما حرفان لاسمي أدولف هتلر. والنازية أقصى حالات التمييز ضد كل من ليس أبيض آريًا، وينشط أتباعها حاليًا بدعوى مواجهة اللاجئين والمسلمين ومحاربة الإرهاب. بالمثل، النمسا منعت استخدام حروف اسم «ISIS» (داعش).
هذه سياسات حكومات تعلمت الدرس من التاريخ القريب فتحاول تقليص مساحة التحريض العنصري، وتسعى لمنع تكراره. لكن بعض الساسة ينحدر في لعبة جمع الأصوات الانتخابية واطئًا قيم المجتمع والإنسانية، بالتعريض بأديان الآخرين أو أعراقهم. وطمعًا في الفوز السياسي، هم اليوم يحرضون ضد المسلمين، وغدًا ضد السود، وبعده اليهود، والصينيين... وهكذا. وتنعكس على دعاة الخطاب الآخر عند المسلمين وغيرهم، فالعنصرية القبيحة عندما تنزلق لا قاع لها.
ومع قَص شريط سباق الانتخابات، ها نحن أمام نموذجين لشخصيتين انتهازيتين سياسيتين شغلتا بلديهما؛ دونالد ترامب في أميركا، ومارين لوبان في فرنسا، وهما يرفعان قدر الضغط في داخل المجتمع وتتعدى أضرارهما لما هو أبعد من ذلك. فالذين يظنون أن المسلمين وحدهم المتضررون من التحريض العنصري هم في الحقيقة مخطئون، الضرر أعم. جماعات تقوم على التعصب والكراهية، مثل «داعش»، أيضًا تعيش على مثل خطاب ترامب ولوبان العنصريين. فنحن اليوم نعيش في كوكب متشابك صار مثل غرفة جلوس واحدة، نشاهد نفس الصور والفيديوهات والأخبار والتعليقات، سواء قيلت في نيويورك الأميركية أو الرقة السورية!
ولنتذكر أنه قبل هجومه العنصري على المسلمين، سبق لترامب أن افتتح حملته الانتخابية بالهجوم على المهاجرين من أصول إسبانية. واعتبره الكثير من الناس، في البداية، مجرد مرشح سخيف، ولم يأخذوه على محمل الجد، وهناك من وصفه بأنه مرشح مؤقت وأن خفة ظله وتسريحة شعره تعطي الانتخابات المذاق اللاذع والبهارات المطلوبة.
وكنت في فلوريدا الصيف المنصرم، عندما شن حملته على ذوي الأصول الإسبانية، حيث احتقنت مشاعر الغضب ضده في هذه الولاية المزدحمة بمهاجرين، أو من هم من أصول كوبية أو من دول أميركا اللاتينية. لاحقًا، حاول ترامب تعديل لهجته، وفي الأخير توقف عن انتقادهم، لكنه ترك جرحًا مفتوحًا. وقبل أيام ردت عليه منافسته هيلاري كلينتون باستنكار: «لم تعد مضحكًا...». ترامب صار ظاهرة ورقمًا كبيرًا في الاستبيانات الانتخابية للرئاسة رغم أنه بقي عليها نحو عام!
وقد لا يكون عنصريًا، كما يقول، لكن همه الفوز بأصوات الناخبين بغض النظر عن الأسلوب والنتيجة، وهذا أسوأ. وقد لا يسعى إلى تحقيق ما وعد به لو صار رئيسًا، والحقيقة أنه لا يستطيع، مثل تمييز مسلمي أميركا داخل البلاد عن غيرهم لمراقبتهم، وحظرهم من السفر جوًا بحجة منع الإرهاب. وحتى لو تراجع عن أقواله القبيحة، فإنه بكل أسف يشيع خطاب الكراهية الذي يحرض على الصدام ويبقى في النفوس لعقود طويلة.
مارين تسير على خطى أبيها، جين ماري لوبان، أشهر دعاة التمييز العنصري في فرنسا، لكن، ورغم كل ما قاله وحرض عليه، فإنه فشل خمس مرات في الانتخابات الرئاسية، حيث رفضت انتخابه أغلبية الشعب الفرنسي. ونرجو أن يستمر في رفض العنصريين رغم تزايد دعاة الكراهية من متطرفي الفرنسيين وتصاعد العمليات الإرهابية من المحسوبين على الإسلام. مع هذا ثقتنا في أن النظام، وأخلاقيات الشعب الفرنسي لن تسمح لها، كما رفضت أباها من قبل.
وكذلك في أميركا، نحن نعرف أن معظم ما يعد به ترامب لا يستطيع تحقيقه إن فاز وسكن البيت الأبيض، لأنها وعود غير دستورية، والدستور أعلى من كلمة أي مسؤول، بما في ذلك رئيس الولايات المتحدة نفسه. فالدستور الأميركي هو حامي المواطنين على اختلاف فئاتهم، ويحرم صراحة التمييز، وهو المرجع العدلي الأخير من خلال المحكمة العليا. وبعد أحداث هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) الإرهابية وتبعاتها، كسب المسلمون الأميركيون معظم التظلمات التي رفعوها في المحاكم ضد أفراد وشركات ومؤسسات حكومية عاملوهم بتمييز يخرق حقوقهم كمواطنين. لكن ومع ثقتنا في العدالة الأميركية، نرى أن خطاب الكراهية الذي تنقله محطات التلفزيون بحجة أنه صادر عن مرشحين سياسيين مسؤولين عن كلامهم، لا يخدم سوى المتطرفين في كل مكان. فالمسلمون هم أكثر تضررًا من أفعال إرهابيين مثل «داعش»، التنظيم الذي يستخدم ما يحدث في الغرب أيضًا لتبرير جرائمه.

[email protected]