د. عبد العزيز بن عثمان بن صقر
TT

دول الخليج وتركيا.. مصالح وتحديات مشتركة

نتائج الانتخابات التركية الأخيرة جددت ثقة الشعب التركي في الرئيس رجب طيب إردوغان، وعكست الرغبة في استقرار تركيا القريبة من منطقة ملتهبة. فبعد خمسة أشهر من الشلل السياسي قال الشعب التركي كلمته ليعيد الثقة في الرئيس إردوغان. وبعد تردد شعبي استمر خمسة أشهر، تمكن حزب العدالة والتنمية من ضمان أغلبية مريحة لحكم البلاد لأربعة أعوام مقبلة. التصويت الشعبي لصالح الحزب وعودته للسلطة جاء بعد تراجع الوضعين الأمني والاقتصادي في البلاد، التي كانت علامة بارزة في الازدهار والنمو الاقتصادي، حيث فقدت العملة التركية ما يقارب نصف قيمتها على مدى قياسي، وأيضًا تصاعدت المواجهات المسلحة مع المتمردين الأكراد بشكل خطير، كما شهدت عدة مدن تركية منها أنقرة وإسطنبول، سلسلة عمليات انتحارية وتفجيرات إرهابية أثّرت على الأمن والاستقرار في البلاد، في ظل تدهور الوضع الأمني في دول الجوار (سوريا والعراق) مما حمّل تركيا أعباء جديدة.
ما يهمنا في منطقة الخليج هو تعامل الرئيس إردوغان وحكومته مع قضايا المنطقة سياسيًا وأمنيًا والعلاقات مع دول الجوار في هذه الظروف التي تحمل تحديات ومخاطر كبيرة، الأمر الذي يتطلب من الرئيس إردوغان مواجهة هذه المعطيات والتعامل معها خلال سنوات حكمه المقبلة. ولكوننا شركاء في هذا الأمر، فدول الخليج والدول العربية لا يمكنها إغفال المصالح المشتركة مع تركيا، ومن ثم تحديد المواقف التركية تجاه القضايا المشتركة والمشتعلة في سوريا، والعراق، وليبيا، وفلسطين وغيرها. كما أن البعض في دول مجلس التعاون يعتبر أن التحالف مع تركيا يمثل أحد أهم الخيارات التي يجب دراستها وتطويرها في ظل عدوانية أطراف أخرى غير عربية في الشرق الأوسط، وبالتحديد إسرائيل وإيران، التي تعمل بشكل مستمر على تقويض المصالح العربية وتهدد الأمن العربي وزعزعة استقرار الدول العربية وسيادتها.
وفي حقيقة الأمر، هناك قواسم مشتركة ونقاط التقاء بين الدول العربية وتركيا تجذبنا إلى خيار التعاون والتنسيق، ويمكن البدء بأهم هذه المشتركات المتمثلة في البعد الاستراتيجي، وهنا يمكن الإشارة إلى مصالح متعددة تجمعنا مع تركيا، منها احتواء التمدد الإيراني، الذي يبدو غير قابل للتوقف بشكل طوعي. فمن المصلحة المشتركة منع إيران من تطوير قدراتها النووية العسكرية وإجبارها على احترام التعهدات الدولية، وتنفيذ الاتفاق النووي دون تسويف أو مواربة. وهناك مصالح مشتركة في السيطرة على الوضع في العراق، حيث يمثل العراق حدود تركيا الجنوبية، وكذلك حدود مجلس التعاون الشمالية، مع التسليم بأن سيطرة إيران على العراق تعد إخلالاً خطيرًا في التوازنات الاستراتيجية في الشرق الأوسط، مما يؤثر سلبًا على تركيا ودول مجلس التعاون معًا.
وتوجد مصالح مشتركة أيضًا في الضغط على إسرائيل لإيجاد تسوية عادلة للقضية الفلسطينية، إضافة إلى أن هناك مصلحة ثنائية في وجود أرضية مشتركة للتعامل مع السياسة الأميركية غير المستقرة في الشرق الأوسط، إلى جانب ظهور مصالح مشتركة أخيرًا تدعو إلى التعاون حيال الاندفاع الروسي تجاه الشرق الأوسط، خصوصًا في الأزمة السورية، حيث يُعد الدور المعطل، وتحول إلى تدخل عسكري وسياسي مباشر خطير جدًا.
وهنا تظهر أهمية ضرورة وجود توافق في الهدف النهائي للأزمة السورية بين تركيا والحلفاء الخليجيين، وهو: إزالة بشار الأسد، رغم وجود اختلافات وعدم وضوح في تصورات كلا الطرفين (التركي والخليجي) في التعامل مع مرحلة ما بعد نظام الأسد، وحول من سيحكم سوريا. فالموقف التركي غير واضح المعالم في هذا الشأن، كذلك الموقف الخليجي أيضًا. لذلك يمكن القول إنه لا يوجد اتفاق حول هذا الأمر الجوهري، مما قد يفتح باب الخلافات بين الجانبين لاحقًا، ولكن استمرار الثقة بين الطرفين سيعين على تجاوز هذه الإشكالية دون مخاطر.
وهنا لا نحاول تجاوز الواقع السياسي، أو إنكار الجانب الآخر من علاقاتنا مع تركيا، فقد اتسمت العلاقات التركية - الخليجية خلال العقد الماضي بكونها علاقات سياسية غير مستقرة ومتذبذبة، وكانت بعض معالمها تتمثل في الموقف من جماعة الإخوان المسلمين، والموقف تجاه الأزمة الليبية، والموقف غير المنسق تجاه مصر، وأخيرًا موقف دول الخليج تجاه حركة التمرد الكردي في تركيا، التي تضمنت مطالب بدعم خليجي - عربي لموقف القيادة التركية أكثر حسمًا ووضوحًا.
ولذلك من الضروري تهيئة أجواء العلاقات العربية - التركية حتى تنجح الشراكة والتنسيق، وعليه، من الضروري إيجاد مصالحة تركية - مصرية لإذابة ما علق بينهما بعد ثورة 30 يونيو، لأن مصر دولة عربية كبرى ولا تستقيم العلاقات العربية - التركية دون مشاركة مصر، باعتبار أن مصر وتركيا الدولتين الإسلاميتين السنيّتين الأكبر في منطقة الشرق الأوسط، وفي تلاقيهما فائدة كبيرة، لا سيما أنه لا توجد خلافات جوهرية أو عداء بين الدولتين باستثناء الموقف من جماعة الإخوان المسلمين الذي يجب تجاوزه من أجل المصلحة العليا للمنطقة.
إن ميزان القوى في الشرق الأوسط يتأثر بحقيقة أن هناك ثلاث دول شرق أوسطية غير عربية تعد القوى الإقليمية المؤثرة في المنطقة، تركيا إحداها. فإذا كانت إسرائيل تمثل قوة عسكرية ضاربة خارج حدودها، وإيران تمثل قوة مخابراتية تدخلية خارج حدودها، ونفوذًا واسعًا يعتمد على التوظيف السلبي للورقة الطائفية، فإن تركيا قد تمثل قوة اقتصادية ودبلوماسية، ولكنها ليست ذات تأثير فعال يعادل أو يقارن بتأثير القوتين الأخريين (القوة العسكرية/ والقوة المخابراتية - الطائفية)، لذلك نذكر الرئيس إردوغان في بداية الفترة الانتخابية، بحقيقة أن العلاقات الاقتصادية تتبع العلاقات السياسية، ولن تكون هناك علاقات اقتصادية قوية دون التوافق في العلاقات السياسية.
نعلم أن تركيا ليست «قوة توظف الورقة الطائفية» كما تستخدم إيران هذه الورقة أداة في سياستها الإقليمية. تركيا لا تمثل دولة سنية فقط، بل دولة علمانية أيضًا، فرغم أنه يحكمها حزب ذو توجهات دينية، لا نتوقع من تركيا العلمانية أدلجة مواقفها، وتبني مواقف جماعة الإخوان على حساب مصالحها العليا في المنطقة. هذا الأمر يستوجب إعادة النظر به الآن.