سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

«الدوخة»

هواة الأفلام يعرفون أن اسم المخرج لا يذكر إلا في النهاية. إنه أهم من النجوم، وواضعي الموسيقى، ومؤلف النص، والمصورين، والإضاءة، رغم أن لكل منهم حصة كبرى. منذ أكثر من ربع قرن أصبحت نشرة الأخبار أشبه بفيلم سينمائي، تتميز بنوعية الإخراج، لأن الأخبار عادة واحدة.
قدم لنا فلاديمير بوتين زيارة الرئيس السوري إلى الكرملين مثل فيلم من أفلام ألفرد هتشكوك. المضيف ومعه أعلامُ حكومته، والضيف، وليس معه سوى رجل محدودب، متقدم في السن، يجلس على مسافة من أصحاب الألقاب والحقائب.
والصورة ليست صامتة ورسمية، بل فيها تبادل المدائح، ورفع الامتنان. حتى العشاء له صورة، خلافًا للعادات. ومرافق الأسد الوحيد جالس إلى الطاولة، ولكن من دون صحن أمامه. غفلة أم خطأ بروتوكولي أم جزء من تشويق هتشكوك. زيارة خاطفة بلا مراسم. لا استقبال ولا وداع ولا بيان مشتركا. فقط حديث مشترك ومصور. مرة الأسد يصغي متجهمًا، ومرة يصافح ضاحكًا.
ماذا تقصَّد المخرج أن يقول؟ إن المحادثات كانت من الخطورة بحيث لا يسمح لوزير خارجية الأسد، أو وزير دفاعه بالحضور؟ هل حدثت هذه السابقة بناء على رغبته أم رغبة المحلِّق الجديد في سماء الشرق الأوسط؟
من يخاطب السيد بوتين؟ ندّه في البيت الأبيض؟ الروس الفرحون بالتدخل في سوريا؟ أوروبا الأطلسية التي تجرب في المتوسط صواريخ سرعتها 9.600 ميل. تسعة آلاف وستمائة ميل في الساعة؟ ما هذه العروض المتنافسة فوق سوريا؟ ولا نقول فوق العراق، لأن رئيس «الأركان» الأميركية يزور بغداد الآن. ممنوع على السوخوي التحليق في أجوائنا.
يعقد هتشكوك هذا اللقاء المثير قبل يومين فقط من مؤتمر فيينا مع الأميركيين. هل هناك علاقة؟ طبعًا هناك علاقة. يريد أن يقول، بالصوت والصورة، إنه لا يعامل حلفاءه مثل ساكن البيت الأبيض في سكونه العظيم. هو ينقل ضيفه في طائرة عسكرية ليلية ذهابًا وإيابا. وهو، لا رئيس أميركا، يتولى فور العودة الاتصال بقيادة المنطقة ليطلعهم على خلاصة الأمر. ولكن ما هو الأمر؟ وما هي خلاصته؟ آه، لن يجيبكم هتشكوك بهذه البساطة، يجب أن تحضروا من جديد فيلمه الشهير «Vertigo»، أو «الدوخة». من أحجية إلى أحجية، ومن حزورة إلى حزورة، والقرار للشعب السوري وحده. حيثما وجد.