أمل عبد العزيز الهزاني
أستاذة في جامعة الملك سعود في السعودية. باحثة في علوم الوراثة الجزيئية. خبيرة في الإدارة الأكاديمية. كاتبة سياسية منذ عام 2009. كاتبة مقال أسبوعي في «الشرق الأوسط».
TT

«الدرون» في سماء الإعلام

بكل سرور وغبطة، ذكر كبير محرري صحيفة «واشنطن بوست» أنهم حصلوا على موافقة إدارة الطيران الفيدرالية الأميركية لاستخدام طائرات دون طيار «الدرون» في التغطية الإعلامية للمناطق التي يصعب أو يستحيل وصول الصحافي إليها كما في حالة الكوارث الطبيعية كالزلازل والحرائق والفيضانات، أو مسارح الجريمة، مما يقدم للمشاهد مادة إعلامية متكاملة للأحداث. بادرته بسؤال إن كانت الصحيفة تنوي استخدام هذا النوع من الطائرات في تغطية مناطق النزاع في الشرق الأوسط؛ في سوريا والعراق واليمن وليبيا، فأومأ إيجابًا، وأردف: «إننا لا نخشى أن نفقد هذه الطائرات في حال إسقاطها أو تعرضها للخلل أثناء طلعاتها الجوية، لأن ثمنها زهيد نحو ألفي دولار، ولكن الفائدة التي تعود من نجاح مهمتها كبيرة جدا».
إذن الإعلام الأميركي سيبدأ تغطيته الإعلامية في مناطق الصراعات في المنطقة باستخدام «الدرون»، مما يمكننا من إطلاق العنان لخيالنا بأن الطائرة الإلكترونية الصغيرة يمكن لها أن تحلق فوق مواقع تمركز الميليشيات الإرهابية كجبهة النصرة، أو تصور خنادق حزب الله التي يختبئون فيها جنوب لبنان، أو تحرك عناصر «ولاية» سيناء في مصر، أو تلتقط لحظات فرار القوات العراقية من ساحات المعركة أمام عناصر «داعش»، أو استخدام الحوثي في اليمن لمدنيين كدروع بشرية كما علمهم حسن نصر الله، أو تجمعات الميليشيات في ليبيا، أو تغطية حركة تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا وما يتعرضون له من انتهاكات إنسانية على الحدود، وغيرها من الأحداث الساخنة.
كنت قد كتبت قبل ثلاث سنوات مقالا حول حدة تسابق دول الشرق والغرب على استخدام طائرات «الدرون» القتالية، وأن غدا ستمتلئ السماء بألعاب إلكترونية، كان الحديث وقتها مختلفًا، على اعتبار أن الغرض منها عسكري والجدل حولها كان أخلاقيًا، إنما الجديد أن فكرة استخدامها لتوفير خدمة مدنية للناس بات أمرًا واقعًا تتنافس بشأنه شركات التصنيع والشركات التي تنشد الاستحواذ على هذه التقنية. يبدو أن صورة الأطباق الطائرة المتخيلة أصبحت قريبة، فبالإضافة لاستخداماتها العسكرية المتزايدة حتى من ميليشيات إرهابية كحزب الله اللبناني، ها هم الإسبان يستخدمونها لمراقبة الصيد الجائر لحيوان وحيد القرن في أفريقيا، وسويسرا تبحث استخدامها للنقل البريدي، والإمارات كذلك لديها خطة مستقبلية لاستخدامها في نقل الوثائق الإدارية والبريد الحكومي وتزويدها ببصمة للعين لحماية سريتها، إضافة لاحتمالية الاستعانة بها في تصوير السباقات الرياضية والأفلام السينمائية والوثائقية، أو نقل البضائع كما تنوي أن تفعل «أمازون»، أو توسيع رقعة شبكة الإنترنت في المناطق البعيدة مثلما تفكر «غوغل»، أو مراقبة حدود الدولة البرية والبحرية، وتهريب السلاح أو المخدرات.
الفكرة بسيطة إنما مثيرة، الطائرة حجمها صغير، مزودة بكاميرا، تحلق من خلال توجيهها عن بعد لمدة زمنية محددة، ومن الممكن توجيه كمية هائلة من المعلومات إليها وإدارتها حتى بالهاتف المحمول، وهي تشبه لعبة للأطفال تباع حاليا في الأسواق التجارية لطائرة مروحية يمكن للطفل توجيها بالريموت كنترول فتحلق فوق حي سكني ثم يوجهها لتعود إليه.
الاهتمام بهذه التقنية الحديثة يتزايد مع التطور في صناعتها من حيث الدقة وتعدد المهام الممكنة، وتستحق الدفع بالتشريعات لتنظيم العمل بها، خاصة أنه من الممكن، كغيرها من التقنيات، أن تقع في أيد مخربة تخترق من خلالها الأنظمة الأمنية، فتتحول لأداة هدم. إنما يظل استخدامها للتغطية الإعلامية أحد أهم منافعها، ويتعين على وسائل الإعلام العربية الدخول في مضمار السباق هذا، وتصبح بأهمية الكاميرا والمايكروفون، لأنها تقنية ستتطور مع الوقت لمواجهة عيوبها الحالية كمقاومة الرياح والحرارة والغبار أو إطالة عمر بطاريتها، أو استخدامها تحت الماء وفي التصوير الليلي. وأهميتها في أنها ستوفر الكثير من الجهد والعناء على المؤسسة الإعلامية، والأهم أنها ستؤمن سلامة الصحافي الذي كان يخاطر بحياته لتغطية حرب الشوارع أو التعرض للألغام الأرضية والقصف، أو خلال نقل أخبار الكوارث الطبيعية. الطائرة تلتقط الصورة المتحركة أو الثابتة وترسلها فورا للمصدر، وهذا دورها وهو مهم، إنما يظل للصحافي كإنسان مهامه التي لا يقاوم شهيتها في البحث والتقصي والرصد والتفاعل الشخصي مع الناس على مسرح الأحداث، فجزء كبير من تأثير الخبر على المشاهد هي العاطفة الإنسانية التي يعبر عنها المتضرر في موقع الحدث، كأسر الضحايا واللاجئين والمتظاهرين وغيرهم.
السماء الواسعة أصبحت معملا لتجارب ابتكارات عقل الإنسان، من المريخ الذي تصلنا أخبار عن احتمالية وجود الماء على سطحه، وحتى استعمارها بهذه القطع الإلكترونية. سيكون للمستفيد الحصول على رسائله البريدية أو وثائقه في العمل من خلال طائرة صغيرة، ويصله كتابه من «أمازون» إلى بيته من خلال هذه التقنية، وستصل شبكة الإنترنت إلى الأدغال والمناطق النائية، وكأننا نعيش في أجواء فيلم خيال علمي أو حرب النجوم!.

[email protected]