توفيق السيف
كاتب سعودي حاصل على الدكتوراه في علم السياسة. مهتم بالتنمية السياسية، والفلسفة السياسية، وتجديد الفكر الديني، وحقوق الإنسان. ألف العديد من الكتب منها: «نظرية السلطة في الفقه الشيعي»، و«حدود الديمقراطية الدينية»، و«سجالات الدين والتغيير في المجتمع السعودي»، و«عصر التحولات».
TT

بدايات تحول في الأزمة السورية

ليس في الأفق حل سريع أو سهل المنال للأزمة السورية. لكن ثمة تحولات في المشهد لا ينبغي إغفالها إذا ما أردنا فهم مسارات الأحداث في الأشهر القليلة المقبلة.
شهدت الأسابيع الثلاثة الماضية أربعة أحداث، تشكل ما أظنه أبرز عناوين التحول في مسارات الأزمة. لعل أبرزها هو التدخل العسكري الروسي، ثم إعلان الولايات المتحدة إنزال خمسين طنًا من الذخيرة والسلاح لقوات معارضة «صديقة» في الحسكة شمال سوريا. وأخيرًا الانفجار الدموي في العاصمة التركية أنقرة، الذي ذهب ضحيته نحو 100 مدني.
الخطوتان الروسية والأميركية تندرجان تحت عنوان واحد هو تعزيز الموقف الميداني للقوى الحليفة. كانت واشنطن قد فشلت في مشروع سابق يتضمن إنشاء فرقة عسكرية عالية التدريب، وبات موضوعًا للتندر، بعدما انكشف أن جميع أعضاء الفرقة سلموا أنفسهم وسلاحهم لقوى أخرى، باستثناء أربعة أفراد.
إرسال الذخيرة والسلاح إلى قوى المعارضة التي وصفت بالصديقة، يعني ببساطة أن واشنطن قررت التعامل مع الساحة كما هي، ومن دون شروط مشددة، كما فعلت في الماضي. بمعنى آخر، فإن الهدف المباشر للولايات المتحدة قد تحول من «تصنيع» قوة جديدة، إلى «توضيب» قوى قائمة وتعزيزها ماديًا وسياسيًا، كي تكون إطارًا يجمع الأطراف التي تقبل بخياراتها السياسية.
التدخل العسكري الروسي يعمل على نفس المفهوم. فغرضه إقناع الجميع بأن حكومة دمشق هي خيار موسكو النهائي، وهي التي ستتفاوض على مستقبل سوريا.
من المفهوم أن دولا ثقيلة الوزن مثل مصر والجزائر تميل إلى هذا المبدأ الذي يتيح اقتسام السلطة بين الموالين والمعارضين. هذا يعني أن دولا عربية تقترب من توافق حول مبدأ الحل السياسي، الذي يتضمن معالجة منفتحة للعقدة التي عطلت حتى الآن انعقاد مؤتمر «جنيف 3»، أعني عقدة بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة خلال المرحلة الانتقالية.
يتسق هذا الاتجاه مع الموقف الذي أعلنه يوم الأحد الماضي وزير الخارجية البريطاني حول «إمكانية» القبول ببقاء الأسد لفترة محددة، مع نقل صلاحياته إلى حكومة توافقية.
أما في تركيا فقد قالت الحكومة إنها تشتبه بقوة في مسؤولية تنظيم داعش عن انفجار أنقرة، الذي يعتبر الأكثر دموية منذ زمن طويل. من الطبيعي أن يتبع هذا الهجومَ موقف مختلف تجاه ما يجري في جارتها الجنوبية. ليس سرًا أن الموقف التركي تجاه القوى المتشددة في سوريا، بما فيها «داعش»، لم يكن صلبًا بما يكفي. وقيل أحيانا إنها قد تنظر إلى الجماعات الإسلامية المقاتلة كمعادل - ولو مؤقت - للقوة الكردية التي تنامت على حدودها الجنوبية بشكل مثير للقلق في العامين الماضيين.
ثمة على الساحة السورية عشرات من المجموعات المقاتلة، بينها أربع أو خمس قوى رئيسية. وأظن أن واشنطن ستسعى لفرز يؤدي إلى قيام تحالف سوف يضم إسلاميين بالتأكيد، لكنه يستثني «المقاتلين الأجانب». إن الهدف المباشر لهذا المسعى هو تشكيل جبهة قادرة على تقديم التزامات سياسية حين تبدأ مفاوضات الحل.
هذه ليست مهمة سهلة. لكن توافق الأطراف الإقليمية على المبدأ سوف يدفع بالتوافقيين إلى الواجهة، مما يجعل الحل السياسي الخيار رقم واحد، في ساحة عجزت حتى الآن عن تحديد ما تريد وما لا تريد.