سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

ويا عزيزنا نوبل

تكفيرًا عن ذنبه الكبير في اختراع البارود لعالم مجنون بالدماء، ترك السويدي ألفريد نوبل مجموعة من الجوائز للعاقلين وغير الهمج، بينها واحدة لصانعي السلام. وهؤلاء قلّة وندرة في الناس بحيث مضى بعض الأعوام من دون العثور على مرشح أو مستحق. هذه السنة أعطيت لثالث عربي بعد ياسر عرفات وأنور السادات، بطل العودة وبطل العبور.
عثر أصحاب الجائزة على عرب آخرين في تونس. مجموعة من الناس أثبتت أن الحوار ممكن، وأنه هو الحل، وأنه ممكن حتى في العالم العربي حيث لا نرى سوى النعاة والذباحين وعلي صالح يدمر البلد الذي قَبِلهُ رئيسًا طوال 33 عامًا وتقبّله فريقًا أعلى مع أنه لم يتجاوز في الجيش مرتبة رقيب.
مذهل أن تُعطى نوبل السلام لمجموعة عربية باسم الحوار بينما الليبيون يرفضون الدخول في حكومة واحدة، وسوريا تهلل لقاذفات بوتين على ما تبقى من مدنها، ونوري المالكي يصر على العودة إلى «دولة القانون» والموت والخراب والفساد، وبينما لبنان، المعروف سابقًا بسويسرا الشرق، عاجز عن طمر زبالته وقمامته، لأن سماسرتها لم يتفقوا بعد على توزيع العمولات.
تترجم كلمة «نوبل» بـ«النبيل». وألفريد نوبل كان رجلاً نبيلاً بلا حدود. وقد خصص ثرواته من بعده للبحث عن شتى أنواع النبلاء في شتى الحقول الإنسانية. وبينما اعتقد الجميع هذا العام أن جائزة السلام سوف تُعطى للنبيلة أنجيلا ميركل، آثرت اللجنة منحها إلى حيث النبل أكثر صعوبة والسلام أكثر مشقّة، وأهل السلم متهمون بالخيانة والجبن.
الفروسية للقتلة ودعاة الموت وغربان الخراب. وقف علي صالح يتصور أمام منزله المهدّم كما فعل معمر القذافي من قبل. كأنما بيوت الآخرين لا قيمة لها ولا وجود. كأنما الناس ذباب أو بعوض يرمون بالقذائف أو الغاز أو البراميل. على أي خريطة عثرت لجنة الجائزة على عرب يعملون بالحوار والتقبل والنيات الحسنة؟ من منا كان يعرف أن في تونس مجموعة بشرية من هذا النوع؟ لقد كنا مأخوذين بالعرض الذي يقدمه فلاديمير بوتين في سماء سوريا. وبمشاهد فيضان الزبالة في بيروت، مدينة أنوار الشرق. وكنا نلهث مع اللبنانيين بحثًا عن رئيس للدولة ينتخبه النواب ولا يعيِّن نفسه مثل ميشال عون، الذي كان صريحًا كعادته مع اللبنانيين: إما هو وإما الفوضى. وله خطاب أكثر شهرة وصراحة فيما يتعلق بالأملاك والأرواح: لقد دُمرت بيروت سبع مرات. فليكن ثمانيًا! على وزن «كفى بك داءً أن ترى الموت شافيًا».
فشكرًا يا عزيزنا نوبل. ولكن، بأبي أنت وأمي، على أي خريطة عثرت على عرب لا يخجلون بالحوار والعمل من أجل السلام؟