د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

الخليج وأزمة اللاجئين العرب

تباينت الآراء حول أزمة اللاجئين العرب في أوروبا، خصوصًا بعد تدفق الآلاف من المهاجرين إلى أوروبا، وتعرض الكثير منهم للغرق في البحار أو الموت في الحافلات، وقد أثارت صورة الطفل السوري إيلان الغريق في سواحل تركيا زوبعة دولية من التعاطف مع المعاناة الإنسانية للاجئين.
هنالك آراء غربية ودولية أكدت الدور الإنساني الكبير الذي قامت به الدول الأوروبية، خصوصًا ألمانيا والسويد، وبرزت المستشارة الألمانية السيدة ميركل التي دافعت بشراسة عن حق اللاجئين السوريين والعراقيين في اللجوء إلى بلدها. من جهة أخرى، صبت الصحافة العربية والأجنبية جام غضبها على الأنظمة العربية بشكل عام، والخليجية بشكل خاص، لفشلهم الذريع في إنقاذ إخوتهم في العروبة والإسلام، خصوصًا أن الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين والعراقيين المتجهين إلى أوروبا هم من أهل السنَّة العرب، وهم مسالمون ورفضوا الانخراط في العمليات العسكرية في بلدانهم.. ومن المفارقات الغريبة أن الأوروبيين عندما يستقبلون اللاجئين العرب وهم يحملون أطفالهم لا يسألونهم عما إذا كانوا سنَّة أو شيعة أو أكرادًا أو دروزًا أو علويين أو إسماعيليين أو مسلمين أو مسيحيين لأنهم يتعاملون معهم كبشر يحتاجون إلى مساعدة الغرب الذي يتهمه بعض رجال الدين لدينا بالكفر، يقدمون الإعانات والتعليم والتدريب والطبابة لكل اللاجئين المسلمين، بينما هناك دول عربية، ومنها دول الخليج الغنية، لا تسمح لهم بالدخول إلى بلدانها.
السؤال هنا: ما الأسباب التي أدت دول الخليج إلى عدم استقبال اللاجئين العرب، خصوصًا أن الصحافة العالمية، ومنها جريدة «نيويورك تايمز» الأميركية، انتقدت دول الخليج العربية النفطية على موقفها من قضية اللاجئين السوريين، حيث ذكرت الصحيفة أن تمويل المتشددين في سوريا يأتي من دول الخليج. لكن الصحيفة اعترفت بوجود مئات الآلاف من العمالة السورية والأجنبية في الخليج.. هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) انتقدت موقف دول الخليج النفطية الغنية لإغلاقها أبوابها أمام اللاجئين ولم تفعل أي شيء لمساعدتهم.. لكنها اعترفت بأن المساعدات الشخصية من المواطنين في الخليج لم تتوقف.
هنالك أسباب كثيرة تجهلها الصحافة والإعلام الغربي عن أسباب عزوف دول الخليج العربية عن استقبال اللاجئين في بلدانهم، وهي:
أولاً: دول الخليج العربية دول حديثة الاستقلال من دول العالم الثالث، وهي غير مؤهلة لاستقبال اللاجئين العرب أو غيرهم بأعداد كبيرة، لأن الدول الأوروبية عندما تستقبل اللاجئين الأجانب لديها تؤهلهم للعمل في المصانع والمزارع، وغيرها من الأماكن الإنتاجية، بمعنى هي تؤهلهم للعمل والإنتاج، ونحن في دول الخليج دول ومجتمعات ليس فيها مصانع ولا ننتج ونعتمد اعتمادًا كليًا على النفط، فالفرد في مجتمعنا غير منتج، ويشكل عبئًا على المجتمع والدولة، لذلك تكدست العمالة الأجنبية لدينا حتى أصبحنا أقلية في بعض بلداننا، لذلك ليس من السهل علينا استقبال لاجئين جدد في بلداننا.
ثانيًا: لدينا في الخليج مشكلة ديموغرافية، حيث نعاني تدفق العمالة العربية والأجنبية على بلداننا، حتى أصبحنا أقلية في معظم دول الخليج ما عدا السعودية التي تحتضن أكثر من عشرة ملايين أجنبي يعملون فيها وصلت نسبتهم نحو 40 % من مجموع السكان.. لذلك لا تتحمل دول الخليج استقبال مئات الآلاف من اللاجئين العرب أو غيرهم من الباحثين عن عمل وتأهيلهم تمهيدًا للعمل، ونحن لم ننجح في تأهيل المواطنين لدينا بسبب ضعف مخرجات التعليم.
ثالثًا: هنالك اعتبارات سياسية وأمنية تجعل دول الخليج تتردد في قبول الآلاف من المهاجرين العرب.. دول الخليج تاريخيًا فتحت أبوابها للمهاجرين الفلسطينيين بعد نكبة فلسطين عام 1948، وخصوصًا بعد الغزو العراقي وموقف الفلسطينيين في الكويت الذين كان عددهم نصف مليون نسمة والموقف القومي والإسلامي المتطرف المعادي لدول الخليج.
رابعًا: ليس من العدل والإنصاف أن يقارن الجميع الدول الأوروبية المتقدمة اقتصاديًا بدول الخليج النفطية.. الدول الأوروبية دول صناعية متقدمة صناعيًا ومستقرة سياسيًا ولديها إمكانات بشرية ومادة عالية... ولديها إمكانات هائلة لاستقبال مئات الآلاف من اللاجئين العرب أو غيرهم، أما نحن في الخليج نعيش تحت رحمة سلعة واحدة ناضبة، ونعتمد عليها، ولم ننوع اقتصادنا رغم مرور نحو قرن على بدء التعليم في بلداننا، وثمانين عامًا على اكتشاف النفط.. نحن عرب الخليج فشلنا في تنويع مصادر الدخل، وأصبح معظم المواطنين موظفين لدى الدولة الريعية... حتى في تربية أبنائنا.. فكيف يمكن لنا العناية بالقادمين الجدد، ونحن فشلنا في تنمية بلداننا؟!
وأخيرًا: ليس صحيحًا أن دول الخليج لم تساعد إخوانها العرب، فالأرقام تدل حتى الآن على تقديم 2.238 مليار، هذا لا يعني أن مسؤوليتنا تجاه إخوتنا العرب قد انتهت، ومطلوب من دول الخليج التعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لإنهاء الحرب الأهلية في العراق وسوريا حتى تنتهي معاناة شعوبنا العربية.