ديانا مقلد
كاتبة واعلاميّة لبنانيّة
TT

دموع بين «دوما» وشاطئ «كوس»

يقول عنوان المقال المصور لصحيفة «نيويورك تايمز»: «حين تفكر بالمهاجرين الواصلين إلى أوروبا تذكر هذه الصورة». والصورة التي قصدها المقال التقطها الإسباني «دانيال اتر» وفيها يظهر السوري «ليث» ينفجر باكيًا من الفرح ويحتضن ابنه وابنته الصغيرين لحظة وصولهما سالمين إلى شاطئ جزيرة كوس اليونانية بعد أن عبروا على متن قارب مطاط من بودروم التركية إلى الشاطئ اليوناني للجوء وبناء حياة جديدة..
لقد نجا الرجل بعائلته مرتين، الأولى حين هرب من الموت في دير الزور السورية. والثانية حين أفلت من الغرق في البحر على غرار مصير مئات اللاجئين. النجاة المزدوجة هذه فاضت دموعًا على وجهه ما إن وطأت قدماه الشاطئ. وتلك اللحظة التقطها المصور «اتر»، وعنها قال في تغريدة له على «تويتر»: «غلبتني مشاعري حين رأيت دموع الفرح بالنجاة في عيون العائلة ولهذا أفعل ما أفعله»..
فعلاً فقد بدت يدا الرجل تطوقان ولديه وصرخة الخلاص على وجهه؛ صورة جميع اللاجئين والفارين، وهي استخدمت بكثافة في الأيام الماضية بهدف الرد على الحملات المتصاعدة ضد اليائسين الباحثين عن الخلاص ولو كلفتهم المحاولة حياتهم.. بات الأمر قضية أوروبا الشاغلة خصوصًا أن أعداد اللاجئين تتضاعف على مدار اللحظة. وإن كانت عيون ليث السوري المهاجر من دير الزور قد فاضت بدموع الفرح والنجاة وباتت صورته وجه اللاجئ الحائر في أوروبا، فإن صورة أخرى لم تنتشر عالميًا، نجا صاحبها أيضًا من الموت، وتظهر دموعه لكنها ذات ظرف ومشاعر مغايرة..
فمن بين عشرات الصور المروعة لضحايا قصف النظام السوري الوحشي على سوق شعبية الأسبوع الماضي في دوما والتي أوقعت ما يزيد على المائة قتيل ظهرت صورة لفتى مضمد الرأس بلفافة بدت وكأنها وضعت على جرحه على عجل فلم تضبط الدماء التي سالت وجمدت على وجهه.. هذا الفتى نجا من الموت أيضًا لكنها تلك النجاة التي هي أقرب لتمديد المعاناة لا الخلاص، ولعلها ليست نجاته الأولى من الموت..
بدت اللقطة المقربة على وجه الفتى أشبه بلوحة ألم نادرة رغم وفرة صور القهر السوري لكن نظرة هذا الفتى فيها من الألم والحزن ما يشعرنا بالعجز المطلق. فالضمادة حول رأسه بدت أشبه بهالة لكنها ليست هالة من نور، إنها أقرب إلى كفن أو مثوى يحوي هذا الفتى رغم أنه ما زال على قيد الحياة.. اختلطت الدموع بالدماء على وجهه فيما غلب ملامحه ذاك اليأس والتسليم فيشعر من ينظر إليه أنه عاجز حتى عن إشهار أوجاعه أو الصراخ بنا أو حتى النحيب.. كان دمعه يفيض دون جهد، وبدا مستسلمًا لذاك الشعور العميق بالإحباط وبأنه عالق في هذا الزمن السوري المكسور فكان بالكاد يتحرك مستكينًا للموت الذي جانبه بصعوبة هذه المرة ولا يدري إن كان سيواصل النجاة في جولات قصف أخرى..
لم نعرف من هو الفتى الدوماني..
حتما له اسم وحكاية وله عائلة وأصدقاء، والأكيد أنه هو أيضًا يمثل صورة العالقين داخل سوريا ولا يهتم لأمرهم أحد. ألم تغب مجزرة دوما عن مساحة واسعة من الإعلام العربي والعالمي، تمامًا كما الكثير من المجازر التي يتعرضون لها على يد النظام؟..
بكا ليث لأنه تمكن من النجاة فيما الفتى الدوماني بكى لأنه عاجز عن الاحتفاء بنجاته إن كانت نجاة فعلاً..
diana@ asharqalawsat.com