عادل درويش
صحافي معتمد في مجلس العموم البريطاني، وخبرة 55 عاماً في صحف «فليت ستريت». وكمراسل غطى أزمات وحروب الشرق الأوسط وأفريقيا. مؤرخ نشرت له ستة كتب بالإنجليزية، وترجمت للغات أخرى، عن حربي الخليج، و«حروب المياه»؛ أحدثها «الإسكندرية ، وداعاً: 1939-1960».
TT

ما غاب في تحدي كاميرون لدواعش بريطانيا

صدم مسلمو بريطانيا بحادثتين صاعقتين في أسبوع. طلحة، صبي في السابعة عشرة فجر نفسه بقنبلة انتحارية في العراق لحساب دولة الإرهاب «داعش».
أسرته المفجوعة تضرب أخماسا بأسداس؛ كيف ولماذا ومن لعب بعقل ولد (دون السن القانونية للإدلاء بصوته أو شراء سجائر) ليمتلئ كراهية لحد تدمير الذات لإيذاء الآخرين؟
الحكومة في الحيرة نفسها، لكنها لا تحلل السؤال بعمق: أهي بالفعل «كراهية» أم «حب» رومانسي في تجريديته لمفهوم «الجهاد»؟
الصاعقة الأخرى تراجيديا طويلة الأمد: هروب ثلاث شقيقات مسلمات (ما بين الـ30 والـ34 من العمر) من الأزواج والأهل بتسعة أطفال ما بين الثالثة والخامسة عشرة، إلى سوريا للالتحاق بـ«داعش» بعد التوجه إلى الأراضي المقدسة بدعوى الذهاب إلى مكة للعمرة أو الحج.
ارتفع عدد البريطانيين الملتحقين بـ«داعش» من أقل من مائة إلى قرابة 700 في أقل من عام.
البوليس اعترف بخطأ التقدير، في الاعتقاد بأن كشف هوية الإرهابي الأكثر دموية المسؤول عن ذبح الضحايا والأسرى، «جون الجهادي» (مسلم من أصل كويتي) لم ينفر الشباب المسلم من فكرة الالتحاق بـ«داعش»، بل أوجد عشرات المعجبين به كعامل جذب.
رئيس الوزراء ديفيد كاميرون في كلمته عن الأمن العالمي أول من أمس (الجمعة) كان أكثر ساسة بريطانيا شجاعة وواقعية: ناشد مسلمي بريطانيا، بأسلوب حازم، ومن عينوا أنفسهم زعماء ومتحدثين عنهم أن يراجعوا مواقفهم السياسية والفكرية، لأن «الساكت عن الحق شيطان أخرس». فالسكوت عن خطاب الكراهية، ورفض الديمقراطية، ورفض القيم الليبرالية واستبدال هوية غير هوية المجتمع الذي ولدوا وشبوا فيه بها هو تشجيع ضمني ودعم انضمام مسلمي بريطانيا لصفوف «داعش».
وطالب المجتمعات الإسلامية البريطانية من مدارس وأسر باتخاذ خطوات أكثر إيجابية وجرأة في إدانتها للآيديولوجيا الشريرة بدلا من السكوت عنها.
وطالب المستر كاميرون المجتمع عامة، والمسلمين خاصة، بتفهم الظروف الصعبة التي تواجهها أجهزة الأمن وعدم لومها مباشرة عند الإخفاق في منع مسلمين بريطانيين من الانضمام لـ«داعش».
وأتفق مع المستر كاميرون تماما في ضرورة أن يضطلع مسلمو بريطانيا أنفسهم بمهمة حماية أبنائهم وبناتهم من إلقاء أنفسهم في تهلكة «داعش».
وهناك نقاط خلاف. فلا كل من التحق بـ«داعش» يحتاج حماية الكبار كالانتحاري طلحة.
الأمهات (خرقن القانون) المختطفات تسعة أطفال دون علم الآباء إلى «داعش» أكبر عمرا من أن «يغرر بهن».
لم تهرب النسوة «لسوء معاملة» أو «نقص في الحاجة الاقتصادية» بل لافتتانهن بأسلوب حياة اعتبرنه «أفضل» رومانسيا من مجتمعهن المألوف.
وهي هنا ليست «كراهية الآخر» بل عنصر جذب يحتاج لدراسة سيكولوجية واجتماعية.
لا يتصور عاقل أن حياة الشقيقات ستتغير نحو الأفضل. فلن يسمح لهن بالعودة عند اكتشاف أن «المجاهدين» الذين صوروا في مخيلتهن «كجيمس بوند» أو «السوبرمان» (شقيقهن مقاتل في صفوف «داعش») الذين سيخدمونهن «كجوارٍ» لإشباع حاجاتهم الجسدية، هم وحوش وبلطجية من القتلة خشنو المظهر والأخلاق.
وغالبا سيفصلن عن الأطفال الذين سيتعرضون لسوء المعاملة والضرب (مقارنة بالكيندرغارتن والرياضة والألعاب ولهو مدارس «الكفار» الإنجليزية) والصبيان فوق الثانية عشرة يصبحون انتحاريين.
لا خطاب رئيس الوزراء ولا سياسة الحكومة تطرح حلولا واقعية لمواجهة دوافع الشقيقات لهذه الخطوة الانتحارية.
المستر كاميرون يستحق التهنئة على واقعيته في مطالبة مسلمي بريطانيا بتحمل المسؤولية. فهناك تيار قوي بينهم يعتبر الداعشية وفكر سيد قطب الإخواني المتشدد قنطرة إلى هوية بديلة عن الديمقراطية التسامحية التعددية الغربية (التي وفرت حياة كريمة، ورخاء، ومساواة لن يجدوها في بلدان إسلامية خاصة إذا كانوا من أقليات عرقية أو طائفية).
ألق على سائق تاكسي مسلم في بريطانيا تحية إسلامية لتعطه انطباعا بأنك مسلم وسترى كيف يتغير حديثه نبرة ومضمونا عما إذا كان الزبون غير مسلم.
ستتراوح مواقفه ما بين لوم الضحية سياسة بريطانيا الخارجية (ومسؤولية اللوبي الصهيوني، «ولا تصدق كذب الصحافة»)، وما بين تأييد «داعش» وآيديولوجيتها فيما يتعلق بفكرة الخلافة الإسلامية (سيقول: كمسلمين «نفضل شرع الله، على قوانين الكفرة»)، بل وأحيانا تبرير النصب والكذب وتلقيه المعونة الاجتماعية والتهرب من الضرائب لأنها «أموال الكفرة والنصارى واليهود المرابين، والأفضل إرسالها للمجاهدين في سوريا والعراق والصومال... إلخ.. إلخ».
هذا واقع نختبره بأنفسنا كصحافيين يوميا تقريبا.
وأختلف مع المستر كاميرون والحكومة لتقاعسها عن توفير وسائل البحث في انجذاب المتطوعين لـ«داعش» بهوس الإدمان على ألعاب الفيديو الكومبيوترية العنيفة. كثير من أطفال المسلمين استبدلوا في مخيلاتهم الداعشيين بأبطال ألعاب المعارك الإلكترونية. يسمعون الكبار في مدارسهم الإسلامية ومراكز النشاط الثقافي يرددون بببغائية أن الغرب الكافر يهين المسلمين بكاريكاتير يسيء إلى رموز الإسلام (مجلات لم يسمعوا بها أو يروها أو يناقشوا الأمور بموضوعية) ومقاتلو «داعش» يثأرون لكرامة المسلمين.
لا حكومة كاميرون، أو حتى البلدان الإسلامية فكروا في ميزانية سخية لتصميم برامج ألعاب إلكترونية بشخصيات بطولية إسلامية تكسب المعركة من أجل الديمقراطية والحرية والمساواة.
أختلف أيضا في مسألة تقصير أجهزة الأمن والمرتبطة بتجاهل المستر كاميرون لعامل التعددية الثقافية multi - culturalism التي خلقت غيتوهات ثقافية عزلت المسلمين عن الاندماج في المجتمع بل خلقت لدى المسؤولين حساسية «خدش الخصوصية الثقافية للمسلمين».
أمهات بيضاوات البشرة يتعرضن للمساءلة في المطار إذا سافرن بصحبة الأطفال أثناء موسم الدراسة فلماذا استثنيت المسلمات؟
وهل يعقل ذهاب طفل في الثالثة لأداء العمرة؟
هل فقد مسؤولو أمن المطار وعيهم؟
الحساسية من تهمة «الإسلاموفوبيا» حالت دون اعتراض المسؤولين في المطار سبيل أمهات يسافرن بتسعة أطفال دون السن القانونية «للحج في مكة».
لمح كاميرون في كلمته إلى أن خصوصية الثقافة ليست فوق القانون، لكن حكومته لا تزال تدعم نظام تعليم ورعاية اجتماعية يعمق الفوارق باسم التعددية الثقافية بدلا من التشديد على الاندماج في الثقافة الاجتماعية كجيل المهاجرين المسلمين في الخمسينات والستينات.
والسؤال للمستر كاميرون: إذا كان المطلوب من المسلمين أنفسهم محاصرة هذا الفكر الشيطاني وهذه الآيديولوجيا المسمومة، فلماذا يسمح لوزارة خارجيته بدعم المصدر الأصلي لـ«داعش» والآيديولوجيا التكفيرية الشريرة، وهم جماعة الإخوان المسلمين ومفكرها الآيديولوجي سيد قطب؟
ولماذا لا تسأل وكالات محاصرة تمويل الإرهاب في الحكومة البريطانية، عن مصادر التمويل التي تدعم نشاط الإخوان في بريطانيا؟
الخطابة والنيات الحسنة وحدها لا تكفي لمكافحة «داعش» يا مستر كاميرون.