علي إبراهيم
صحافي وكاتب مصري، ونائب رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

أميركا وعقدة الشرق الأوسط

عنوان غلاف مجلة «الايوكونوميست» هذا الأسبوع هو «خسارة الشرق الأوسط»، في إشارة إلى العلاقات الأميركية – العربية التي شهدت كثيرًا من الاختلافات منذ اندلاع موجة الربيع العربي، ووصلت الاختلافات إلى العلانية واتباع سياسات متضاربة من الجانبين، وهو أمر كان هناك حرص على تجنبه على الأقل في العقود الثلاثة الأخيرة.
بالنسبة لإدارة أوباما التي تتفاخر بأنها نجحت في أن تجعل أميركا غير متورطة في حروب خارجية لأول مرة، منذ فترة طويلة، فإنها تتصرف تحت عقدة حربي العراق وأفغانستان اللتين خسرت فيهما آلاف الجنود، ولم تحقق أي مكاسب سياسية فيهما، فالعراق في حالة فوضى وصراع أخذ بعدًا طائفيًا، بينما لم تختفِ طالبان في أفغانستان، بل امتدت إلى منطقة القبائل في باكستان.
ولفترة، بدا فيها أن إدارة أوباما ستخرج من هذه العقدة في سوريا، إلا أنها تراجعت في اللحظة الأخيرة؛ مما جعل سوريا تتحول إلى أرض خصبة تجتذب الإرهابيين من كل أنحاء العالم لتصبح مشكلة عالمية تهدد الأمن العالمي. وهو ما حذرت منه كثير من الدول العربية منذ وقت مبكر.
بعض المحللين في الغرب يروج لنظريات أن الشرق الأوسط كمخزن للطاقة يفقد أهميته، بعد أن تحولت الولايات المتحدة بسبب التقنيات الجديدة لاستخراج النفط الصخري إلى دور المنتج المرجح، وبالتالي انخفض اعتمادها على الاستيراد في تأمين احتياجاتها، وكل هذه النظريات تتجاهل أن الدول الصناعية الأخرى تعتمد على نفط الشرق الأوسط، وهو عامل مهم لاستقرار الاقتصاد العالمي، فضلاً عن التكلفة المرتفعة لاستخراج النفط الصخري بطريقة يشك بعض الباحثين في أنها تشجع النشاط الزلزالي.
خلاصة القول، إن أميركا لن تخرج من المنطقة لأن المصالح هائلة، والشرق الأوسط لا يريد خروجها، باعتبارها لعبت، وما زالت، دورًا مهمًا في أمن المنطقة، وإذا كانت مساحة خلاف، فإنه يمكن التعامل معها ببراغماتية وبدفع المصالح المشتركة، وتحديد نقاط الخلاف في مساحة معينة، مثلما كان لدول الخليج وعلى رأسها السعودية، موقف حاسم مع رغبة الشارع المصري ضد الإخوان، ولم تنتظر هذه الدول إشارة من واشنطن التي أخذت لأسباب غير مفهومة موقفًا أقرب للجماعة تحت وهم أنه يمكن عقد صفقة مع بعض تيارات الإسلام السياسي.
ويبدو الطرفان؛ العربي والأميركي، وصلا إلى تفاهم غير معلن على نوع من أنواع البراغماتية أشارت إليه «الايوكونوميست» في أن السياسة الأميركية في العراق تقف مع إيران، وتتضارب معها في سوريا، والشيء نفسه ينطبق على الجانب العربي الذي لا تعجبه تدخلات أميركية في بعض القضايا، لكنه تعود على التعايش معها.
والمهم، بالنسبة إلى الجانب العربي، أن يتمسك بمصالحه، فقد ثبت أن التدخلات الغربية نتائجها كارثية في بعض الحالات، مثلما حدث في العراق عندما تم تفكيك مؤسساته وتسريح جيشه، أو في ليبيا حيث اشتعلت الفوضى وأصبحت نقطة جذب أخرى للإرهابيين العالميين.