نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

بيد حماس لا بيد فتح

يثور الآن سجال صاخب حول المفاوضات السرية والعلنية مع إسرائيل؛ فتح تتهم حماس بالتوغل في هذه المفاوضات من أجل الحصول على مكاسب في غزة، تصل إلى حد تهيئة بنية تحتية لدولة على ذلك الجزء من الديار الفلسطينية، بما في ذلك تشغيل مطار غزة الذي أسسه المغفور له بإذن الله ياسر عرفات، وإقامة ميناء عائم بديلاً عن الميناء الدائم الذي حاول تأسيسه ياسر عرفات، إضافة إلى رزمة تسهيلات تتعلق بإعادة إعمار غزة، بعد أن تصاعدت شكاوى الناس هناك من أن السجال السياسي البائس أوقف عملية إعادة الإعمار، وجعلها تتم ببطء يكاد لا يُرى.
أما حماس فمن جانبها تتهم فتح بعدم التعاون معها في أمر المعابر والمرتبات، وتشكك في جدية مقاطعة المفاوضات السياسية مع إسرائيل، وتعتبر موقف فتح من المفاوضات مجرد مناورة تخفي تحتها ما تخفيه من صفقات.
لا أملك معلومات يقينية تثبت أو تدحض ما يقال من كلا الجانبين، إلا أن هنالك أمورًا كثيرة يمكن التوصل إلى حقيقتها دون الاعتماد على المعلومات الرسمية أو الإعلانات الصريحة؛ إنها معطيات الأمر الواقع، فأنا شخصيًا أبرّئ فتح من حكاية المفاوضات السرية، ليس لأن فتح لا تريد المفاوضات أصلاً، فهي تريدها بشدة، ولكن لأن الواقع الإسرائيلي يلغي تمامًا أي إمكانات لمفاوضات سياسية، وهذا ما يدركه جميع المعنيين بالوضع في الشرق الأوسط، على ضوء معطيات السنوات الماضية ونتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة.
أما من الجهة المقابلة، فإن العلاقة بين حماس وإسرائيل لا يمكن أن تصل إلى مستوى العلاقات السياسية التفاوضية؛ ذلك أن الشروط الإسرائيلية، وخصوصًا في عهد نتنياهو، تجعل من أي طرف فلسطيني يُقبل كطرف مفاوض، عاريًا تمامًا عن كل المطالب القديمة لمصلحة الإذعان كليًا للشروط الإسرائيلية.
أما أن تتطور علاقة الأمر الواقع لتبلغ أعلى مستوى من التسهيلات والمغادرة الجزئية للحصار، فهذا هو بالضبط ما يجري الآن، ولو قرأنا بإمعانٍ تصريحات المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي عن حجم التسهيلات التي تقدمها إسرائيل لغزة، مدعية أنها تتم بالتنسيق مع السلطة، فإننا نرى فيها بكل وضوح درجة التأثير الإسرائيلي على الوضع في غزة، وهذا أمر مرحب به من قِبل حماس، ويبدو أنه لا مانع لديها في استمراره وتطوره عبر محادثات سرية أو علنية أو عبر أطراف أخرى.
وتدافع حماس عن هذا الاتجاه نظرًا لحاجة المواطنين هناك للتسهيلات من أي جهة جاءت، بما في ذلك إسرائيل، وكذلك لأن حماس تفعل نفس ما تقوم به السلطة في رام الله من تنسيق مع إسرائيل، ولكنْ كل بدوافعه وطريقته.
إن الأمر الواقع الذي يفرض نفسه على الفلسطينيين جميعًا، وخصوصًا فيما يتصل بغزة المنكوبة، يجعل إسرائيل صاحبة اليد العليا في أمر الإغاثة والتسهيلات ووتيرة إعادة الإعمار، وهذا أمر كان ينبغي أن يكون معروفًا للجميع، من خلال قراءة بسيطة وموضوعية ومحايدة لأوزان القوى على الأرض، وخصوصًا فيما يتصل بغزة سلمًا أو حربًا أو حياةً بأبسط مقوماتها، أن ثغرة مفتوحة على نطاق واسع في الجبهة الفلسطينية، ولا أمل بتعديل الموازين ولو نسبيًا، إلا بإغلاقها، فمن خلال الانقسام وما بُني عليه، وتحديدًا ما تبنيه إسرائيل، يمكن أن نصل إلى حالة من التنافس السلبي بين القوى الفلسطينية تحت شعار بيدي لا بيد من ينافسني.
إن السجالات الدائرة الآن حول هذا الموضوع تؤكد أننا ننزلق إلى هذه المتاهة دون أن يكسب أحد في نهاية المطاف.