أمل عبد العزيز الهزاني
أستاذة في جامعة الملك سعود في السعودية. باحثة في علوم الوراثة الجزيئية. خبيرة في الإدارة الأكاديمية. كاتبة سياسية منذ عام 2009. كاتبة مقال أسبوعي في «الشرق الأوسط».
TT

من صعدة اليمنية إلى النخيب العراقية

الوضع الأمني في العراق يشي بتغيرات كبيرة ومهمة كأحد أهم تداعيات المشهد في اليمن وسوريا.
لم يعد مستغربًا، منظر فرار قوات الجيش العراقي من ساحة المعركة أمام تنظيم داعش، في الموصل وتكريت، ثم مؤخرا في مدينة الرمادي التي احتلها التنظيم بعد إخلاء نفذته القوات العسكرية، لتتوجه جنوبا ناحية قضاء «النخيب»، المدينة التي يسعى نوري المالكي منذ سنوات لاستقطاعها من محافظة الأنبار وضمها إلى محافظة كربلاء، فثار بذلك نزاع سياسي وإداري حولها رغم مرجعيتها التاريخية الموثقة لمحافظة الأنبار.
والنخيب مدينة يسكنها نحو 40 ألف نسمة؛ بدو، سُنة يمتهنون الرعي، معظمهم من قبيلة عنزة الشهيرة، وكانت طريقا لعبور الحجاج. وهي ليست فقط ذات موقع استراتيجي مهم ومركزا لطريق دولي يربط العراق بالسعودية والأردن وسوريا والكويت، إنما مرجح أن تكون غنية بالثروة الباطنية، من نفط وغاز. أما ما تصرح به القيادات الشيعية وتبرر به دخول آلياتها العسكرية هناك، فهو الحماية الأمنية لكربلاء من هجوم محتمل لتنظيم داعش.
زعماء العشائر في الأنبار رفضوا مطلع الشهر الحالي دخول ميليشيا الحشد الشعبي الشيعية المدعومة من إيران إلى مدينة النخيب، وأصدروا بيانا يحذرون رئيس الوزراء العبادي من فتنة طائفية قد تعقب تحركات الحشد الشعبي في مدينتهم التي دخلوها دون إذن من مجلس الحكم في الأنبار. العبادي كما يبدو لا يملك اليد العليا في إدارة الميليشيات، فحاول التراجع وأمر بإعادة ملف الحماية الأمنية للمدينة إلى محافظة الأنبار، ولكن كتائب الحشد لم تتوقف عن التدفق إلى المدينة وأبرزها الجناح العسكري لمنظمة بدر التابعة لعبد العزيز الحكيم، وعصائب أهل الحق التي يقودها الخزعلي وحزب الله العراقي وفرقة العباس وغيرها. وبحسب المصادر فإن الحشد أقام منظومة صواريخ في المدينة الأسبوع الماضي، مما وضع العبادي في موقف سياسي محرج اضطره لأن يضع استقالته تحت تصرف المرجع الشيعي علي السيستاني، صاحب فكرة إنشاء الحشد الشعبي عقب سقوط الموصل في يد «داعش» الصيف الماضي.
ولكن حصل أن خرجت قوات الجيش العراقي من الرمادي منذ يومين تاركة تنظيم داعش يستولي على المدينة، فاستدار العبادي مناشدا فرق الحشد الشعبي لتحرير المدينة من التنظيم، وفي هذا إعلان صريح ونهائي بأن الدولة عاجزة عن حماية أرضها، فاشلة في رد أي اعتداء عليها، والأهم أنها رسالة لعموم العراقيين بأن لا أمن من دون الميليشيات، ورسالة للسنة خاصة بأن لا غنى للدولة عن هذه التنظيمات العسكرية ذات التأسيس الإيراني، مهما ارتكبت في حقهم من مجازر وحرقت بيوتهم ومساجدهم واعتقلت أفرادا منهم، فهم بنهاية النهار دافعهم أمني للحفاظ عليهم من سواطير «داعش». العبادي يقولها صراحة بأن الدولة فاشلة، اضطرت لفرق وكتائب عسكرية من خليط من الطائفيين والحرس الثوري الإيراني تأتمر بأمر قاسم سليماني لحماية أرضها.
هناك تطورات ديموغرافية خطيرة تحصل في العراق لا يمكن أن تكون محض صدفة. إجبار السنة على النزوح من أراضيهم في مدينة الموصل وتكريت والرمادي، إلى بغداد وكربلاء، هربا من المعارك، ومحاولة ضم النخيب السنية المحاذية للسعودية إلى كربلاء باحتلالها من الميليشيات الشيعية المتطرفة بذريعة حماية كربلاء، كل ذلك يشير إلى أن القبضة الأمنية للعراق في يد طهران، مما يجعلنا نستشرف مستقبلا غامضا للعراق، يتحكم فيه فرقة من الضباع.
طهران لم تسمح للحكومة العراقية بتسليح عشائر الأنبار، أوعزت إليهم بأن تسليح السنة سيعيدهم إلى المربع الأول في عام 2003، حينما بدأ الشيعة يقفون على أرض صلبة من خلال الغزو الأميركي بعد أن كانوا طائفة مستضعفة مقموعة من نظام صدام حسين، وسيفرض السنة المسلحون أنفسهم كقوة عسكرية على الأرض، وقد تتحول العشائر السنية المسلحة إلى ميليشيات تضع أجندتها السياسية. هذا الترهيب الذي ضرب الجسد العراقي في مقتل جعل أهالي أكبر محافظة عراقية يواجهون مصيرهم الأسود لأنهم سنة، إما قتلى على يد «داعش» أو مشردين على يد ميليشيا الحشد.
أن تتحول مدينة النخيب، المحاذية للسعودية إلى مسرح عمليات عسكرية للحشد الشعبي للضغط على الرياض بسبب معركة «عاصفة الحزم» في اليمن هو كذلك مراد لـ«داعش» التي أعلنت منذ البداية أنها تستهدف «بلاد الحرمين» كهدف نهائي، ولنتذكر أن «داعش» وتنظيم «القاعدة» في اليمن لم يتحركا لقتال الحوثي المدعوم من إيران والذي يُكفرون مذهبه، كما فعلوا مع نظام الأسد في سوريا. هذا الوضع يدفع التحالف العربي بقيادة السعودية إلى تعجيل حسم المعركة في اليمن، عسكريا وسياسيا، كما أنه أول اختبار لتعهدات الرئيس الأميركي باراك أوباما بحفظ مصالح الخليجيين الأمنية، قبل أن تتحول النخيب إلى قاعدة عسكرية إيرانية تجاور مدينة عرعر السعودية، وهذا ما تطمح إليه إيران.
[email protected]