طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

الفنان ورمال السياسة الناعمة!

في مصر أثناء ثورة 25 يناير شاهدنا عددا كبيرا من النجوم وقد انخرطوا في العمل السياسي أصبحوا عناوين للثورة، أغلبهم غادروا المشهد السياسي ولم نرهم مجددا؛ إلا مع ثورة 30 يونيو التي أطاحت بحكم الإخوان، ربما لم يتبق منهم في الملعب السياسي بمصر سوى المخرج خالد يوسف الذي ابتعد منذ أكثر من 4 سنوات عن ممارسة الإخراج السينمائي، وقرر أن يخوض المعترك السياسي عضوا بمجلس النواب.
في سوريا يبدو الأمر أشد صعوبة حيث إن النظام السوري لم يسقط رغم آلاف الضحايا وأصبح السوري خارج حدود بلاده يواجه بمعوقات الإقامة في البلد المضيف، وفي نفس الوقت يتعرض أغلب المعارضين للرفت من نقابة الفنانين هناك والهجوم الإعلامي الضاري مثل جمال سليمان الذي يوجد في الأغلب بين القاهرة ودبي، حتى أنه لم يستطع المشاركة في تشييع جنازة والديه بدمشق لأنه مطلوب القبض عليه من قبل الجهات الأمنية هناك، فقرر إقامة سرادق العزاء لوالديه بالقاهرة. جمال مجبر على مواصلة مشواره السياسي، بينما لا أرى في الحقيقة مبررا لكي يُصر خالد يوسف على المضي قدما في ممارسة هذا الدور، خاصة أن الفنان لديه أسلحته في التعبير فما هي الجدوى إذن للدخول إلى المعترك السياسي.
جمال سليمان أحد أهم النجوم السوريين والعرب الذين يقفون في صدارة المشهد رافضين بقاء الأسد ويشارك في المؤتمرات التي تنظمها قوى المعارضة السورية في القاهرة أو موسكو، والتي تتمسك برحيل الأسد أولا، لأن من دمر البلد لا يمكن أن يصبح هو الحل، ربما تجد في موقف الفنانة رغدة توجها عكسيا فهي ترى الثورة مؤامرة وبشار هو الأمان.
جمال يتعرض لكل أسلحة الدمار النفسي الشامل التي يوجهها له النظام السوري لأنه من وجهة نظرهم يتطاول على (الرئيس المفدى)! جمال منذ البداية رفض أن يُصبح جزءا من النظام، ولم يرض أن يُمسك العصا من المنتصف مثلما ارتضى الآخرون، عندما يرددون نقف ضد العنف ولكنهم لا يجرؤون الجهر برحيل بشار، فقط هم مع الشعب، وكم من الجرائم ترتكب باسمك أيها الشعب.
تلك هي المأساة التي يعيشها السوريون سواء في الداخل أو الخارج. جمال سليمان واحد من كبار النجوم على الساحة الدرامية ودائما لديه مشروعه ولا يمكن أن تطلب من شركات الإنتاج الفني أن تُقدم أفكارا تعبر عن موقف جمال السياسي، فهو مثلا لعب قبل عامين دورا عاطفيا في مسلسل «نقطة ضعف»، وفي العام الماضي قدم مسلسلا تاريخيا عن علاقة عبد الناصر والمشير عامر «الصديقان».
ولن يتقاعس عن أداء دوره الفني وفي رمضان المقبل لديه مشروعه الدرامي. جمال يدرك جيدا أن تلك مرحلة مفروضة عليه ومع انتهاء الحقبة الأسدية التي هيمنت على سوريا، واثق أن جمال بعدها سيطلق السياسة بالثلاثة فليس لديه طموح في الصعود في هذا المجال.
على الجانب الآخر يقف خالد يوسف مصرا على الدخول أكثر إلى هذا المعترك، لو افترضنا جدلا أن خالد يأمل أن يتم تصعيده ليصبح رئيسا لمجلس النواب المصري القادم، هل هذا يكفي ليضحي بالفن؟ لو سألت خالد أو غيره أن يذكر اسم رئيس مجلس الشعب المصري في مرحلة السبعينات عندما أخرج أستاذه يوسف شاهين أفلامه «العصفور» و«الأرض» و«إسكندرية ليه»؟ أتحداك أن يتذكر؛ ولكنه من المؤكد لن ينسى أفلام يوسف شاهين الثلاثة. جمال لا يملك حلا آخر سوى استكمال مشواره السياسي ولم يغفل أبدا أنه فنان أولا، بينما خالد اختار أن يوغل أكثر في رمال السياسة الناعمة، ليصبح مخرجا مع إيقاف التنفيذ!