أمل عبد العزيز الهزاني
أستاذة في جامعة الملك سعود في السعودية. باحثة في علوم الوراثة الجزيئية. خبيرة في الإدارة الأكاديمية. كاتبة سياسية منذ عام 2009. كاتبة مقال أسبوعي في «الشرق الأوسط».
TT

المرأة السعودية من قلب عبد الله إلى عين سلمان

بواكي الراحل الملك عبد الله يرثونه بقلوب صادقة، حزن حقيقي غشي قلوبهم، ليس نفاقا أو زيفا، أمر قلما يحصل في منطقة عربية اشتعلت بسبب السد الكبير الذي فصل بين عامة الناس والحاكم، فتهيجت عواطفهم ضده وقدموا استقرارهم وأمنهم قربانا لمعركتهم معه، لطرده أو قتله أو نفيه.
مشاعر مستثناة حملها السعوديون للملك عبد الله رحمه الله، لأنه كان رجلا استثنائيا امتلك مفتاح قلوب الناس، وهو مفتاح معلوم المكان ومتاح، بأن أشعرهم بأنه قريب من كل واحد منهم، قولا وعملا، بالسياسات التي لامست مصالحهم وشؤونهم، بتشديده على وزرائه بأن يستقبلوا كل مواطن وكأنه الملك. هذا المفتاح من نصيب الحاكم الذي يملك الإرادة الحقيقية لخدمة الناس.
من أهم الملفات التي تولاها الراحل بجرأة كان ما يخص المرأة السعودية، وأعيد وأكرر أن كل ما يمس المرأة السعودية هو بالحساسية والأهمية التي تضاهي ملف إيران النووي أو مكافحة الإرهاب على المستوى الداخلي. لأنه ملف شائك، حائط الصد فيه مكهرب، هو الأصعب والأكثر صلافة، وهو المجتمع.
منذ بدايات دخول المرأة لدائرة التعليم قبل نحو 60 عاما، الذي كان منعطفا تاريخيا بالنسبة إليها، لم يحصل أن تغير في أوضاعها الكثير إلا في عهد الملك عبد الله الذي فاجأ العالم كله بأن المرأة «المخبأة» ستدخل دائرة القرار السياسي من خلال عضوية 30 امرأة في مجلس الشورى، لم يكن حتى حلما يراودنا، كانت طموحاتنا أقل من ذلك بكثير. عضوية المرأة في مجلس الشورى ليست مجرد قرار بل إقرار، بأن القيادة السياسية تتحلى بصفتي التنوير والانفتاح، المفردات التي قد يتم تداولها في أي دولة، ونحذر منها في السعودية.
الملك عبد الله استخدمها عمليا، وجعلنا أكثر جرأة ولأول مرة على رفع سقف التطلعات والآمال. حتى حينما دشن برنامج الابتعاث للدراسة في الخارج، فتح الباب على مصراعيه للفتيات، فحرك المياه الراكدة داخل الأسرة السعودية التي كانت قد برمجت نفسها وبناتها على أن الفرص داخلية ومحدودة. وأنا أؤكد لكم الآن أنه من نحو 50 ألف سعودية مبتعثة للخارج، المئات لم تمتلك الواحدة منهن جواز سفر قبل ابتعاثها، بل ربما لم تكن قد غادرت مدينتها التي ولدت وعاشت بها. لكن فكرة البرنامج أسالت لعاب الأسرة التي وجدت فيها فرصة ماسية لا تعوض في المستقبل، لكنها تعوض عما فات. هناك عائلات سعودية سافرت مع بناتها للخارج من أجل هذه الفرصة، وبعضها ألحقت الابن من أجل الابنة للدراسة، والزوج مع زوجته. تغير الواقع الاجتماعي بسبب إغراء التعليم النوعي الذي قدمه الملك عبد الله، وتعهد بـ22 مليار ريال كل عام مصروفات له.
والأهم من ذلك، أن مسؤولي القطاعات العامة والخاصة اكتسبوا جرأة الخطوة، فأصبح كل منهم يفكر بطريقة عبد الله بن عبد العزيز، فصرنا نسمع عن تولي شخصيات نسائية مواقع عليا في بعض المؤسسات. إنها نفحات الطيب والنور والتطور. ومن يعرف بيت الملك عبد الله يعرف أنه حتى نساء أسرته الكريمة يحملن هذا التفكير المستنير، وأن هذه العلاقة الوطيدة بين الأب وبناته شكلت الرغبة في صنع مثل هذه القرارات الشجاعة. الرجل الذي يحترم نساء بيته، يريد الخير لكل امرأة يتولى أمرها. هذه ثقافة عظيمة لرجل عظيم.
عاش السعوديون خلال السنتين الماضيتين شائعات تحولت إلى قلق وخوف على استقرار الدولة بعد مرض الملك الراحل، وإلى أين ستؤول الحال بعد أن حان الوقت لانتقال مسار الحكم إلى أحفاد المؤسس الملك عبد العزيز. وحتى إعلان وفاته رحمه الله، قضى السعوديون ليلتهم في قلق كبير بما سيصبحون عليه في هذا الوقت المأزوم، بسبب تداعي الحالة الأمنية في الجوار السعودي خاصة في العراق واليمن. لكن صباحهم كان فيه من بشائر الخير، ما جعلهم يطمئنون على حياتهم وحياة أبنائهم وأحفادهم. كانت القرارات قد اتخذت وأعلنت بولادة قيادة صلبة للدولة، تعد بالاستقرار السياسي ومن ثم الأمني والاجتماعي.
الملك سلمان بن عبد العزيز تشرب أجواء الحكم وأساليب إدارة الدولة منذ بداية شبابه، عتيد، منفتح إعلاميا وثقافيا، ممتلئ بحصيلة تجارب التاريخ، شريك أساسي في إدارة الدولة العليا منذ كان حاكما للعاصمة الرياض، ثم وليا للعهد. ولي العهد الجديد الأمير الطيار مقرن بن عبد العزيز، هو أيقونة التجديد والتطور، ينظر إليه على أنه يد يمنى تحمل بطاقة الصعود والتغيير.
ودخل في قمرة القيادة أول حفيد للملك عبد العزيز؛ وليا لولي العهد، وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، الشخصية المهابة الفذة، وهي الخطوة التي كانت منتظرة ومقلقة مع تعدد الأحفاد ووجاهة الكثير منهم للحكم، إنما اختيار محمد بن نايف كان حكيما وذكيا، وهو أول قرار يتخذه الملك سلمان، ويشي بأن الدولة في أيد أمينة.
يأتي عهد الملك سلمان والمرأة السعودية تتطلع إليه، بعشم وتوقع وأمل، بأن فترة حكمه ستكون فترة التجديد ومنعطفات التغيير الكثيرة التي تنتظرها، وكانت البداية باستقباله نساء الشورى معزيات، ومبايعات، ومهنئات قبل يومين في مجلس لم يكن لهن فيه سابقا موطئ قدم. حين كان الملك سلمان أميرا للرياض كانت المرأة جزءا من همه اليومي بشكواها واحتياجاتها التي كانت تعرض عليه ويتناولها بمزيج من حكمة الأب ونفوذ الحاكم، يعرفها ويعرف مظلماتها واحتياجاتها، ويعرف أكثر من غيره ما الذي تستحقه امرأة تنتمي لدولة بوزن المملكة، إقليميا ودوليا.
لا يزال للمرأة السعودية متطلبات كثيرة، في سوق العمل والتعليم والحقوق الاجتماعية، وهي بدورها تلتقط بذكاء كل الفرص المتاحة وتثبت نفسها بجدارة، والواقع يحكي لنا قصصا مذهلة في نجاحات كبيرة حققتها المرأة التي كانت أفعالها مبنية للمجهول، شبحا لا يعرفه العالم. بعض صفحات ملف المرأة السعودية لا تزال بيضاء، تحتاج قلما جريئا مقداما، هو أهم الملفات التي سيحفظها التاريخ للدولة السعودية المعاصرة، والتاريخ طالما حفظ أفعال الشجاعة والفروسية، وهي خصال نعلم يقينا أنها من سجايا الملك سلمان.
[email protected]