طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

السيدة على طريقة الست!!

بين السيدة فاتن حمامة والست أم كلثوم حالة تماثل. إنها الصورة الذهنية باعتبارهما من أفراد الأسرة، وكما أنه في العديد من البيوت المصرية والعربية تلمح صورة أم كلثوم على الحائط، تجد أيضا صورة فاتن حمامة، وهذا هو السر الحقيقي للسيدة فاتن وللست أم كلثوم. حظيت كل منهما عند الرحيل بجنازة شعبية. الفنان الاستثنائي ليس مجرد سيرة إبداعية وتاريخ أفلام ومسلسلات وأغان؛ لكنه قمة الاحترام، وهذا هو ما صنع في الحقيقة اسمي فاتن وثومة.
يعيش الوسط الفني دائما على سطح صفيح ساخن، دائما هناك صراعات تصل إلى توجيه ضربات تحت الحزام. الساحة الفنية تحولت إلى حلبة ملاكمة، ضربة هنا تعقبها ضربة هناك، لكمة هنا ثم لكمة هناك، شائعة هنا وعلى الفور ينال صاحب الشائعة واحدة أخرى، وهكذا تتعدد الضربات القاتلة. أغلب الفنانين يتورطون في مثل هذه المعارك المجانية، فإذا لم يكن هو البادئ في العنف فإنه على الأقل سوف يرد الضربة اثنتين، بينما فاتن وعلى طريقة أم كلثوم لم تكن تبدد الطاقة خارج ساحة الإبداع.
كانت الجماهير العربية قد أطلقت عليها في وقت مبكر جدا مطلع الستينات لقب سيدة الشاشة العربية، أسوة بأم كلثوم التي حظيت بلقب سيدة الغناء العربي. في البداية لم تستشعر النجمات من جيل فاتن أو من سبقنها بحرج، فلقد كانت مثلا مديحة يسري تحمل لقب «سمراء النيل»، وماجدة الصباحي قبل زواجها حظيت بلقب «عذراء الشاشة»، وهكذا لم يكن هناك أي قدر من الحساسية؛ إلا أنه قبل عدة سنوات عندما بدأ جيل فاتن يبتعد أو على الأقل يخفت حضوره بدأت المناوشات، حتى إن مريم فخر الدين قالت في أكثر من برنامج «لسنا عبيدا أو جواري حتى تصبح فاتن هي السيدة»، فكان رد فاتن أنها قالت «أحترم تاريخ وإنجاز مريم»، وأوصدت تماما هذا الباب. وحاول كثر بين الحين والآخر تأجيج الخلافات داخل تلك الدائرة، بينما كانت فاتن تصمت تماما ولا ترد.
بالطبع لم يكن الأمر سهلا عليها، لكنها تعلمت منذ الطفولة أن تحافظ على نجوميتها، ولم تنس أبدا أول درس وأول صفعة بعد أن حققت شهرة وهي طفلة وشعرت ببعض الزهو، فلمح أبوها أنها تتعالى في الرد على الصحافيين، وعلى الفور صفعها لأول مرة وآخر مرة في حياتها. فاتن كثيرا ما تذكر هذه الصفعة التي أسهمت في تحديد مسارها الفني الصحيح.
موقف آخر مع أستاذها الأول في التمثيل وهو الراحل زكي طليمات.. كانت فاتن لديها في تلك المرحلة لثغة في حرف الراء وهو بالطبع ما يتعارض مع التمثيل المسرحي باللغة الفصحى، فما كان من الأستاذ طليمات أثناء دراستها بمعهد المسرح سوى أنه سخر منها على الملأ أمام الطلاب، حتى يجبرها على النطق اللغوي الصحيح، وبالفعل تخلصت تماما فاتن من هذا العيب وإن كان هذا لم يمنعها من أن تعود مرة أخرى إلى هذه اللثغة وبإرادتها في آخر أفلامها «أرض الأحلام» للمخرج داود عبد السيد عندما استشعرت بأن الشخصية دراميا تحتاج إلى تلك اللمحة.
فاتن أيضا تؤمن بأن الفنان يتجدد بالآخرين، وكما أن أم كلثوم لم تلتزم فقط بالغناء لجيلها من الملحنين أمثال القصبجي والسنباطي وزكريا؛ بل ذهبت للجيل التالي مثل بليغ والموجي والطويل، أيضا فاتن لم تكتف بالعمالقة هنري بركات وكمال الشيخ وصلاح أبو سيف؛ بل تجد على خريطتها الفنية الأجيال التالية مثل حسين كمال وسعيد مرزوق وخيري بشارة. لم يكن السر موهبة فقط؛ ولكنه ذكاء واحترام يرفع من قدر الإبداع ويحمي الموهبة، ولهذا يحتفظ الناس بصورة للست وللسيدة في البيت وفي قلوبهم.