مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

أحلام في الأحلام

في عالم الأحلام يخترق بصرك حجاب الغيب ويهتك ستر المستحيل، وفي هذا العالم تضطرب موازين القوى وينتصف الضعيف من القوي، والفقير من الغني، ويبث الشجي لواعجه للخلي. بعض الأحلام غيرت مسار التاريخ، فالحلم قد يكون الرحم الحقيقي للواقع، كما الخيال العلمي صار هو الأب الشرعي للعلوم والتكنولوجيا المعيشة. شيء من هذه الأحلام كان كابوسا قاتلا، وبعضها كان نسمة منعشة على الدنيا. إذن فهي طاقة وجدانية مؤثرة بالسلب أو الإيجاب، حسب تعامل الحالم والرائي معها. بالنسبة للعلم الحديث فهو يرى أن ما يراه المرء في نومه من صور وأحداث وهيئات يمثل ترجمات أشواقه أو قلقه، والمكبوت من أسراره وهواجسه، أو نتيجة لمسببات حيوية جسدية تتعلق بالمرض والتخمة أو الجوع، أو غير ذلك من المسببات المادية. لكن أهم من تفسير العلم واقع الحال، والأخير يقول إن بعض الأحلام صنعت عالما جديدا، إما على مروج الربيع أو على قيعان القيظ.
جماعة جهيمان المتشددة التي احتلت الحرم المكي 1979 لمدة أسبوعين لعبت الأحلام و«الرؤى» دورا كبيرا في توفير الدافع المعنوي والغطاء الغيبي لفعلها، وقد احتل الحديث عن المهدي، المتوهم أنه معهم، والرؤى حوله، حيزا كبيرا من الخطب التي ألقاها خطباء الجماعة من على منبر الحرم، كما شكل ذلك جانبا من أدبيات الجماعة في الرسائل التي صدرت عنها. أحاديث الرؤى في التاريخ الإسلامي كثيرة، وفي غير الإسلامي لدينا رؤى وتنبؤات العراف نوستراداموس الشهيرة، وحدثنا التاريخ عن رؤى وإلهامات للأب الأميركي المؤسس جورج واشنطن. يصل التوظيف لقوة الحلم، بسبب احتمالية وجود ثغرة نافذة من عالم الغيب للحالم، لمجالات بعيدة عن التوقع، مثل عالم المنافسة بين فرق كرة القدم، فقد تم اللجوء لعالم الأحلام وتأويلها لإراحة أو توتير هذا الجمهور أو ذاك.
في العصر الحديث يخبرنا الكاتب المصري ياسر ثابت، في مقالة ممتعة له بـ«الأهرام العربي»، عن «الحاج» أحمد الصباحي زعيم حزب الأمة، وأنه أصدر أواخر التسعينات الماضية كتابا من تأليفه بعنوان «الأحلام السياسية.. فكر جديد أيضا»، صادرا عن مركز التنبؤات السياسية التابع للحزب. على ظهر الغلاف كانت هناك كلمة للصباحي تحت عنوان «احلم لمصر»، جاء فيها: «أرسل رؤياك المنامية الصادقة مكتوبة إلى مركز التنبؤات السياسية بحزب الأمة بالقاهرة لتأخذ مكافأة مجزية إذا كانت الرؤيا السياسية صحيحة قابلة للنشر والتداول والتفسير ومقدمة من مواطن صالح»، حسب نداء ابن سيرين السياسة المصرية.
هذه الأيام قرأت عن ناشط سياسي أصولي كتب عن حلمه الذي رأى فيه النبي عليه الصلاة والسلام، فقال لنفسه: «إن هذا إيذان بزوال دولة الصهاينة وانتصار الإسلام»، على صفحته بموقع «إنستغرام».
قال الشاعر العباسي صالح بن عبد القدوس، وقد ضاق من سجنه وتاق لحلمه:
«وتعجبنا الرؤيا فجل حديثنا.. إذا نحن أصبحنا الحديث عن الرؤيا
فإن حسنت لم تأت عجلى وأبطلت.. وإن قبحت لم تحتبس وأتت عجلى».
[email protected]