جوليان لي
TT

مكافحة تلوث صناعة الشحن ستضر الكوكب

بدأت صناعة الشحن تبدي جدية كبيرة في جهودها لتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت. وبالتأكيد سيجني من يعيشون على امتداد خطوط الشحن التي تعج بالحركة فوائد صحية من وراء تقليل هذه الانبعاثات وتراجع معدلات الأمطار الحامضية، وذلك مع بدء سريان تنظيمات جديدة في الأول من يناير (كانون الثاني). إلا أنه بالنظر إلى أن جزيئات الكبريت تسهم في معادلة بعض الارتفاع في درجات الحرارة الناجم عن تشغيل السفن، فإن القواعد الجديدة ربما تؤدي في الوقت ذاته إلى زيادة احتمالية أن تترك مسألة ارتفاع منسوب مياه البحر الناجمة عن ارتفاع درجات حرارة الأرض، نفس هؤلاء السكان دونما مأوى.
وتسمح التنظيمات الجديدة التي أقرتها المنظمة البحرية الدولية، وكالة تابعة للأمم المتحدة مسؤولة عن ضمان شحن آمن وكفء عبر محيطات نظيفة، بسبيلين نحو التعامل مع هذه المشكلة، فإما يتعيَّن على السفن حرق الوقود الذي يحوي الكبريت بمعدل لا يتجاوز 0.5 في المائة، بدلاً عن نسبة الـ3.5 في المائة المسموح بها حالياً خارج المناطق المصنفة كمناطق تخضع فيها الانبعاثات لسيطرة خاصة، أو يجب على السفن تركيب أجهزة تنظيف للتخلص من الكبريت من العادم المنبعث منها.
ويستهدف هذا التغيير إحداث تحسين على مستوى تأثير صناعة الشحن على الصحة العامة، والتي تشير تقديرات إلى أنها تسهم بإجمالي 13 في المائة من محمل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنوياً. ومن شأن التنظيمات الجديدة تقليص كميات ثاني أكسيد الكبريت المنبعثة من السفن بمقدار 75 في المائة. ومن شأن ذلك إحداث انخفاض هائل في معدلات الوفيات المبكرة الناجمة عن انبعاثات الكبريت الصادرة عن السفن، تبعاً لما ذكرته ورقة نشرتها دورية «نيتشر كميونيكيشنز» عام 2018 وضعها فريق من الباحثين من معاهد أميركية والمعهد الفنلندي للأرصاد الجوية.
وسيظهر معظم التحسن على صعيد الصحة العامة في أوساط المجتمعات المتركزة بمناطق ساحلية داخل دول مرتفعة الكثافة، وبها موانئ عليها حركة كثيفة أو تلك المطلة على طرق تجارية كبرى، خاصة بالهند والصين. أما الأشخاص الذين يسكنون قرب السواحل في الولايات المتحدة وأوروبا فلن يعاينوا اختلافاً نظراً لأن السفن التي تعمل بهذه المناطق تواجه بالفعل قيوداً أشد صرامة تقصر حرق الوقود لديها عند حد أقصى من انبعاثات الكبريت يبلغ 0.1 في المائة.
إلا أن هذه الفوائد الصحية قد تحمل خلفها تكلفة تتمثل في زيادة تأثير صناعة الشحن على المناخ، وذلك لأن الكبريت الصادر من عوادم السفن يسهم في تقليل درجات الحرارة، وبالتالي فإن تقليصه سيقلل هذا التأثير.
جدير بالذكر أن رذاذ الكبريت الصادر في عوادم السفن يعكس الطاقة إلى الفضاء من جديد، ويسهم كذلك في جعل السحب أكثر إشراقاً، وبالتالي تعكس مزيداً من أشعة الشمس بعيداً عن الأرض هي الأخرى. وشرح ميخائيل سوفييف، أحد القائمين على الورقة العلمية سالفة الذكر المنشورة في «نيتشر كميونيكيشنز» الأمر على النحو التالي:
تتميز السحب التي تحمل بداخلها قدراً أكبر من قطرات الماء بلون «شديد البياض» ـ بمعنى أنها ذات قدرة أكبر على عكس الأشعة ـ عن السحب الأخرى التي تحمل قطرات ماء أكبر حجماً وأقل عدداً. وتتسم الجزيئات الصناعية بأنها صغيرة ومتنوعة، وتجتذب إليها الماء وتحفز تكوين الكثير من نقاط الماء الصغيرة داخل السحب ـ وبذلك نحصل على سحابة بيضاء. ومن شأن وصول قدر أقل من جزيئات الكبريت إلى قمم السحب تقليص هذا التأثير والقدرة على عكس الأشعة لأن قطرات الماء بالسحب ستصبح أقل عدداً وأكبر حجماً، وبالتالي أقل قدرة على عكس الأشعة.
جدير بالذكر أن الجزء الأكبر من تأثير عوادم السفن المتعلق بخفض درجة الحرارة، ينبع من هذا التأثير الثانوي على السحب، ويشكل نحو 92 في المائة من الإجمالي. ومن شأن التنظيمات الجديدة تقليل هذا التأثير الصادر عن صناعة الشحن العالمية بنسبة 81 في المائة، تبعاً لما ذكرته الدراسة. وسيتمثل مجمل تأثير القواعد الجديدة على المناخ في زيادة تأثير إجمالي النشاطات البشرية على ارتفاع درجات الحرارة بنسبة 3.8 في المائة.
ومن شأن إزالة الكبريت من انبعاثات السفن كشف المناخ أمام تأثيرات عوادم صناعة الشحن. ومثلما أوضح جيمس كوربيت، أحد المشاركين في التقرير، فإن «جزيئات الكبريت تحجب التأثيرات المناخية، ولا تبدلها».
وتعتبر أحجية الكبريت بمثابة قطعة واحدة من جهود المنظمة البحرية الدولية، في تطهير صناعة تلعب دوراً محورياً في الحفاظ على تدفق حركة التجارة العالمية، مع حمل البحار والمحيطات أكثر عن 80 في المائة من التجارة العالمية. وقدرت دراسة أصدرتها المنظمة عام 2014 أنه في عام 2012 شكلت صناعة الشحن الدولية مصدراً لنحو 2.2 في المائة من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الصناعية، وأن هذه الانبعاثات قد ترتفع بما يتراوح بين 50 في المائة و250 في المائة بحلول عام 2050.
عام 2018، أقرت المنظمة التي تتخذ من لندن مقراً لها استراتيجية لتقليص التلوث الناجم عن انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري. وكان الهدف خفض الكثافة الكربونية لصناعة الشحن الدولية بمقدار «40 في المائة على الأقل بحلول عام 2030. وبذل جهود نحو الوصول بهذا الخفض إلى 70 في المائة بحلول عام 2050، مقارنة بما كان عليه الحال عام 2008»، تبعاً لما نصت عليه الوثيقة. كما ترمي الوثيقة إلى تحقيق ذروة في مجمل انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري «في أقرب وقت ممكن» وتقليصها بمعدل 50 في المائة على الأقل بحلول عام 2050 مقارنة بالمستويات التي كانت قائمة عام 2008، ويأتي هدف إجمالي الانبعاثات أقل عن الهدف المتعلق بكثافة الكربون لأن حجم جهود الشحن من المتوقع زيادتها على مدار الأعوام الـ30 المقبلة.
ومن بين المقترحات المطروحة لتحقيق ذلك الهدف تقليل استهلاك الوقود عبر إقرار حدود قصوى للسرعة. ومن بين المقترحات الأخرى إقرار توجهات فنية مثل فرض حدود قصوى إجبارية للطاقة.
فيما يتعلق بانبعاثات ثاني أكسيد الكبريت، فإن بعض التأثيرات المناخية السلبية ربما تتعادل بفضل تقليص موازي في جزيئات الكربون العضوي والأسود من عوادم السفن، والتي تترك تأثيراً كبيراً على ارتفاع درجات الحرارة. جدير بالذكر أن أنماط الوقود التي تحوي قدراً أقل من الكبريت تحوي جزيئات أقل من الكربون الأسود وتزيلها أجهزة التنظيف بجانب الكبريت. كما أنها تتسم بأمر مهم آخر، أنها باهظة التكلفة.
وأشار كوربيت إلى أن التكلفة الأعلى لوقود السفن الملتزمة بالقواعد الجديدة وحقيقة أنه ليس هناك توصيف موحد عالمياً للوقود المتماشي مع هذه القواعد، ربما يسهم في حد ذاته إلى زيادة الحافز لدى السفن لتقليل الاستهلاك، وبالتالي تقليل معدلات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وحتى تقر الصناعة بمختلف قطاعاتها استراتيجية واضحة إزاء الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري وتطبقها، ربما يكون هذا أفضل أمل لدينا.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»