بمجرد نيلها موافقة البرلمان التركي على منح القوات التركية المسلحة حق التدخل العسكري في سوريا والعراق، تكون حكومة الرئيس رجب طيب إردوغان قد قدمت لواشنطن «أوراق اعتمادها» كحليف استراتيجي في الحرب على الإرهاب.
ظاهرا، تبدو شكليات المشاركة التركية العسكرية في الحرب على الإرهاب وكأنها حلت بهذا التصويت.
أما باطنا، فلا يزال دور تركيا العسكري في الحرب على «داعش» مرهونا بمطلبين رئيسيين؛ أولهما إصرار الرئيس إردوغان على أن تكون أولوية أي تحرك ميداني إسقاط نظام بشار الأسد. وثانيهما مطالبته بموافقة واشنطن، ولو ضمنا، على إقامة منطقة عازلة آمنة في شمال سوريا.
في ضوء البطء - وربما الإرباك - الظاهر في المواجهات الحالية مع «داعش» في كل من سوريا والعراق، وبسبب رفض الولايات المتحدة وبريطانيا «التورط» في حرب برية في الدولتين، عرف الرئيس التركي مقامه.. فاشترط، وكان واضحا في تحديده، بنفسه، إطار التحرك التركي المتوقع في سوريا وحدوده.
في الكلمة التي ألقاها في البرلمان التركي في مطلع الشهر الحالي، أكد إردوغان أن قوات التحالف «لن تحقق شيئا من دون الأخذ بنصائح تركيا والتعاون معها» - أي، باختصار، دون مراعاة أولويات تركيا في المنطقة ومصالحها.
من نافلة القول إن مصالح تركيا لا تلتقي، بالضرورة، مع مصالح دول التحالف الأخرى؛ فتركيا اليوم «كبالع الموس»: إن هي تغاضت عن «الانتصارات» العسكرية التي يسجلها «الداعشيون» في سوريا والعراق تغامر بإعادة تحريك النعرات الدفينة بين «مجتمعيها»، العلماني والمتدين. وإن هي خاضت الحرب على «داعش» بكل قواها وأجلتها عن حدودها الجنوبية قد تفتح الباب لأن يملأ فراغ المنطقة «كيان» كردي ثان شبه مستقل يشجع أكراد تركيا على تصعيد مطالبتهم بحكم ذاتي أوسع.
ومشكلة تركيا في هذا السياق أن «الكيان» الكردي المحتمل قيامه على حدودها مع سوريا لن يكون كيانا صديقا لها مثل كردستان العراق - التي تقيم أفضل العلاقات التجارية معها - بل كيان تسيطر عليه «وحدات حماية الشعب الكردي» - جامعة «المجد» من طرفيه كونها حليف كل من «حزب العمال الكردستاني»، التنظيم «الإرهابي» الذي يتزعمه عبد الله أوجلان وتلاحقه أنقرة منذ ثمانينات القرن الماضي، ونظام بشار الأسد الذي تخلى لها عن مناطق واسعة شمال شرقي سوريا كي يتفرغ جيشه لمحاربة المعارضة المسلحة في مناطق أهم، استراتيجيا، للنظام.
حتى الآن لم تفلح ضغوط أنقرة على تنظيم «وحدات حماية الشعب الكردي» في حمله على العودة عن اتفاق «عدم الاعتداء» المتفاهم عليه مع نظام الأسد والانضمام إلى فصائل المعارضة السورية التي تواجهه عسكريا. والأصعب من ذلك، لم تتوصل أيضا إلى إقناعه بفك ارتباطه السياسي بتنظيم عبد الله أوجلان. في ظل هذه الخلفية السياسية والأمنية تتضح أبعاد مطالبة الرئيس التركي بشريط أمني عازل على حدود بلاده مع سوريا، فمن شأن شريط كهذا توفير أكثر من مطلب تركي واحد بينها:
- على المدى القريب، تجميع النازحين السوريين داخل نطاق هذا الشريط وتجنب الاضطرار، إنسانيا، إلى استقبالهم داخل الأراضي التركية، خصوصا أن موجات النزوح الراهنة تتشكل بمعظمها من أكراد منطقة عين عرب الحدودية.
- على المدى المتوسط، ضمان أولوية القيادة العسكرية في الحرب على الإرهاب للقوات المسلحة التركية، وهو أمر يبرره تقصير التنظيمات الميليشيوية، حتى الآن، عن تسجيل تقدم ملموس في المواجهة مع «داعش» إضافة إلى ضعف إمكانات الجيش العراقي وتشرذم الجيش السوري.
- على المدى الطويل، ضمان دور تركي مؤثر في أي تسوية إقليمية للنزاع السوري قد تستوجب إعادة النظر في خريطة «سايكس - بيكو».
قد تتوصل أنقرة، عبر علاقاتها الأطلسية أو حاجة الغرب إليها، إلى إقناع واشنطن «بغض الطرف» عن شريط عازل تفرضه على المنطقة الحدودية في سوريا ولو كأمر واقع تتطلبه الضرورات العسكرية. ولكن أولويات مواجهة الإرهاب في هذه المرحلة لا تبرر سكوت عرب التحالف الدولي عما يمكن أن يستتبعه هذا الإجراء، لاحقا، من ثمن سياسي في المنطقة.
8:37 دقيقه
TT
ثمن الدور التركي في التحالف
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة