ما هو الهدف الذي تسعى إسرائيل وراءه في حربها الأخيرة في غزة؟ كان ذلك سؤالا تصعب الإجابة عنه في الوقت الذي وسعت فيه إسرائيل أهداف حربها من السعي وراء «التهدئة» من الهجمات الصاروخية التي تشنها حماس إلى إغلاق الأنفاق لتدمير مواقع إطلاق الصواريخ في شمال قطاع غزة.
إن مأساة هذا النهج هو أنه يجلب الموت والدمار من دون تغيير في الوضع الراهن. تحارب إسرائيل الآن، مع العلم بأنها من المحتمل أن تعود مرة أخرى في غضون سنوات قليلة، لكي تخفض من قدرة حماس العسكرية مرة أخرى. يقال إنَّ بعض الإسرائيليين يصفون هذه العملية المتكررة بأنها «قص العشب»، وفقا لمقال نشر الأسبوع الماضي في صحيفة «واشنطن بوست».
تعتمد استراتيجية عاموس يادلين رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق على الاستفادة من الضعف الشديد لحركة حماس عن طريق السماح للفلسطينيين بالمضي قدما نحو تشكيل «حكومة وحدة»، في ظل المصالحة التي أعلنت بين حماس وفتح في أبريل (نيسان) الماضي. في ذلك الوقت، ندد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالفكرة، ولكن يزعم يادلين بأن تطبيق نهج قائم على الأداء لهذه الحكومة الموحدة هو أفضل وسيلة للمضي قدما وكسر قبضة حماس على غزة.
تقوم الفكرة في صميمها بناء على أن حماس لم تكن أبدا أضعف مما هي عليه الآن. تعد استراتيجيتها الحربية عبارة عن حالة من الفوضى: فصواريخها لا تضرب المدن الإسرائيلية، ومقاتلوها غير قادرين على التسلل عبر الأنفاق من أجل تنفيذ عمليات انتحارية أو إجراء عمليات اختطاف. كما أنها فقدت قاعدتها في سوريا، وأطيح برعاتها في جماعة الإخوان المسلمين من السلطة في مصر.
وتعد أكبر نقطة ضعف لحماس هي انعدام شعبيتها بين الفلسطينيين في غزة الآن؛ حيث أظهر استطلاع أجري في يونيو (حزيران) قبل بدء القتال الأخير أن 70 في المائة من سكان غزة، يريدون وقف إطلاق النار المستمر مع إسرائيل، و57 في المائة يريدون من حكومة الوحدة بين فتح وحماس أن تنبذ العنف ضد إسرائيل، ويعتقد 73 في المائة أن المقاومة التي تقوم على اللاعنف لها أثر إيجابي، ويعتقد الغالبية العظمى أن حماس فشلت في التعامل مع قضايا الجريمة والفساد.
وماذا عن المستقبل؟ وبالسؤال عما إذا كان ينبغي لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أن يرسل أفراد أمن ومسؤولين آخرين لتولي إدارة غزة، أجاب 65 في المائة بنعم. نشر هذا الاستطلاع ديفيد بولوك زميل معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في شهر يوليو (تموز).
يجب على إسرائيل وقف هجومها على غزة، إذا وافقت حماس على قبول وساطة مصر الرامية إلى وقف إطلاق النار، مما سيصب في صالح تشكيل حكومة وحدة وطنية، وتحديد موعد لإجراء انتخابات مبكرة والالتزام بنزع سلاح الصواريخ والأسلحة الثقيلة الأخرى في غزة. وكان زميلي جاكسون ديل قدم حلا مماثلا في مقال مهم نشر في صحيفة «واشنطن بوست» قبل يومين.
يسرد يادلين ثلاثة عناصر أساسية لهذه الاستراتيجية؛ قرار إسرائيل بوجوب رحيل حماس، وألا يعاد بناء قدراتها العسكرية، ورفض إسرائيل وضع استراتيجية محدودة للمساومة على «التهدئة من أجل التهدئة»، والمصادقة على عودة السلطة الفلسطينية إلى السلطة في غزة.
وفي ظل هذا الإطار، قد يكون من الممكن كسب دعم أوروبي وعربي وأميركي يرمي إلى بذل جهد على غرار خطة مارشال، لإعادة بناء قطاع غزة الذي يرزح تحت وطأة الفقر، ويعاني أوضاعا مأساوية ويغطيه الدمار بعد سنوات كثيرة من الحرب المتقطعة.
* خدمة «واشنطن بوست»