مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

عندما (وقع الفأس بالرأس)

كتب مفيد فوزي عن مقابله قديمة أجراها مع الصحافي الراحل (مصطفى أمين) وسأله: من هو الحاكم في مصر الذي احتفى بحرية الصحافة ودافع عنها بشدة.
فقال من دون تردد إنه (سعد زغلول)، ولكن قبل أن أقول لك لماذا، لا بد أن أروي لك هذه الحادثة:
فقد قرأ سعد في جريدة «السياسة» مقالاً طويلاً يتهمه كاتبه، بأنه خائن ودجال ومشعوذ وباع البلد للإنجليز، فكل ما فعله أن قدم بلاغًا للنيابة كأي فرد من أفراد الشعب وأحيل كاتب المقال وهو الدكتور هيكل إلى محكمة الجنايات التي برأته وقالت في حيثيات الحكم «إنه ما دام سعد زغلول يتعاطى العمل السياسي فيجب أن يتحمل كل هذه الاتهامات، لأنه رجل عام»، ولم يعتقل هيكل كما حدث في عهود أخرى - انتهى.
وكان مصطفى متحفظًا ودبلوماسيًا عندما قال: في (عهود أخرى)، وكان يجب عليه أن يقول في العهود اللاحقة.
لأنه فعلاً لو أن ما قيل عن سعد قيل وكتب عن أي رئيس لاحق، لا شك أنه سوف يقذف به إلى ما وراء الشمس، والنماذج كثيرة في هذا المجال (الرومانسي).
ومع احترامي وترحمي على الرئيس الراحل (عبد الناصر)، كانت لديه صفة قد تصبح كارثة على من يتحلى بها، خصوصًا إذا كان هو الرجل الأول بمرتبة (رئيس الجمهورية)، وهذه الصفة هي رد الفعل السريع ولا أقول العصبي.
وأصدق مثال، أو بمعنى أصح أقسى وآلم مثال، هو رد فعله عندما (أمم قناة السويس) في خطاب جماهيري حاشد، وكان من تبعاته العدوان الثلاثي، وإغلاق القناة، واحتلال إسرائيل لسيناء بالكامل، وانسحبت فيما بعد تحت شروط تعجيزية كبلت مصر، وعندما حاولت مصر استرجاعها عام (67)، إذا بها تقع في مصيبة هي أدهى وأمر، ولا تزال مصر تعاني وستعاني من آثارها لأجيال وأجيال.
بريطانيا العظمى في وقتها احتلت قناة السويس في عقد مع مصر يستمر (99) سنة، وبعدها تعيدها لمصر، كما أنها - أي بريطانيا احتلت (هونغ كونغ) في الصين وكتبت عقدًا مع الصين وأعادتها أيضًا بعد (99) سنة.
واستمر الاحتلال (91) سنة ولم يتبق من العقد وتعود القناة إلى مصر غير ثمانية أعوام فقط، فماذا لو أن عبد الناصر تحلى (بالصبر) وبعد النظر الذي تحلى به (ماو)؟!
وها هي هونغ كونغ عادت للصين (باردة مبردة) من دون أي خطابات تشنجية أو حروب.
رغم أن الصين أكبر وأغنى وأقوى وأكثر عددًا من مصر بعشر مرات، كما أن (ماو) أكثر عداء لبريطانيا من عبد الناصر بعشر مرات أيضًا، ولكن ماذا أقول بعد أن (وقع الفأس بالرأس)؟!