سليمان جودة
رئيس تحرير صحيفة «الوفد» السابق. كاتب العمود اليومي «خط أحمر» في صحيفة «المصري اليوم» منذ صدورها في 2004. عضو هيئة التحكيم في «جائزة البحرين للصحافة». حاصل على خمس جوائز في الصحافة؛ من بينها: «جائزة مصطفى أمين». أصدر سبعة كتب؛ من بينها: «شيء لا نراه» عن فكرة الأمل في حياة الإنسان، و«غضب الشيخ» عن فكرة الخرافة في حياة الإنسان أيضاً.
TT

برلمان الطريق الثالث في الكويت!

يستيقظ الإخوة في الكويت، صباح الأحد المقبل، على برلمانهم الجديد، وهو يعقد أولى جلساته، وسوف يتابعون وقائع هذه الجلسة، التي تظل جلسة إجراءات في الغالب، ولسان حالهم يتساءل في شغف عما سيكون بعدها، بين مجلس الأمة من جانب، والحكومة من جانب آخر.
فالكويت تظل صاحبة تجربة برلمانية خاصة، إذا ما قورنت بسائر دول الخليج، ليس فقط لأنها بدأت حياتها النيابية على نحو مبكر نسبيًا، وإنما لأن العلاقة فيها بين الحكومة، والبرلمان، كانت دائمًا موضع انتباه من كل كويتي، بل من كل خليجي، ثم من كل عربي من بعدهما، وكانت علاقة تقوم على الترقب، والحذر، بين طرفيها، أكثر ربما مما تقوم على غير ذلك من الأشياء!
وإذا كان للبرلمان الجديد، أن يشق طريقه الخاص، في العمل البرلماني المستند إلى تقاليد تراكمت واستقرت بامتداد عقود من السنين، فسوف يكون عليه أن يمضي في طريق خاص، أو بمعنى أدق في طريق ثالث، بين الطريق الذي مضى فيه برلمان 2013 المنُحل في 16 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وطريق آخر كانت برلمانات السنوات القليلة السابقة على برلمان 2013، قد أوغلت فيه!
كانت برلمانات عدة، قد تعاقبت بسرعة، في سنوات معدودة على أصابع اليد الواحدة، قبل 2013، وكانت في تعاقبها المتسارع، تمارس العمل البرلماني بطريقة بدت في حينها غريبة على مجمل تجربة الكويت في هذا الاتجاه.
كان الاستجواب فيها، كأداة من أدوات المحاسبة البرلمانية للحكومة، يرفع سيفه في وجه الحكومة مجتمعة تارة، وفي وجه أي من أعضائها تارة ثانية، وكأن الاستجواب هدف في حدّ ذاته، لا وسيلة من وسائل الحساب والمساءلة!
ولأنه جرى على هذا النحو، في الأحيان كلها، فإن برلمانًا من تلك البرلمانات، لم يكن لينعقد، إلا لينحل، ولم يكن ينحل، إلا ليعقبه برلمان جديد، حتى جاء وقت أظن أن الكويتيين قد ملّوا فيه هذه اللعبة السياسية، من جانب بعض النواب!
ولم يكن الاستجواب، باعتباره ذروة وسائل مساءلة الحكومات في العالم، وليس في الكويت وحدها.. لم يكن غاية في أي وقت، ولكنه كان دائمًا، بعد السؤال البرلماني، وبعد طلب الإحاطة، وسيلة مشروعة، يرفعها البرلمان أمام أي حكومة، فإما أثبتت هي، أن ما جاء فيه، غير دقيق، فتنجو من طرح الثقة، وإما عجزت عن ذلك، ففقدت الثقة وغادرت مقاعدها في الحال!
وكان كثيرون داخل الكويت وخارجها، ينبهون الأعضاء المعارضين، في تلك البرلمانات القليلة المتتالية، إلى أن للاستجواب وظيفة يؤديها، أو لا يؤديها، وأن التعسف في استخدامه يجر البرلمان إلى عواقب غير محمودة!
ولم يكن أحد يريد أن ينتبه!
إلى أن تشكل برلمان 2013، وفق مبدأ العودة للصوت الواحد، لكل مواطن، لا مبدأ الأصوات الأربعة، الذي دام سنين.
ولأنه تشكل وفق هذه القاعدة، التي لم تكن موضع رضا المعارضين في كل الأحوال، فإنهم قاطعوا انتخاباته، وظلوا خارجه إلى أن كاد يُكمل سنواته الأربع، لولا قرار الحل الذي بادر به الأمير الشيخ صباح الأحمد.
وبمثل ما كان الإسراف في رفع عصا الاستجواب، سمة ميزت البرلمانات القليلة التي سبقت برلمان 2013، بمثل ما كان هذا الأخير، متهمًا من جانب قطاعات لا بأس بها بين الرأي العام الكويتي، بأنه تساهل مع الحكومة، حيث كان عليه أن يتشدد، ثم تشدد معها حيث كان عليه أن يدع الأمور سياسيًا تمر!
إلى أن جاء برلمان 2016، ليكون عليه أن يسلك طريقًا ثالثًا، فلا يرفع عصا الاستجواب، في كل الأوقات، ولا يتساهل، أو يتشدد، إلا حيث يكون لذلك مبرر موضوعي يقتنع به جمهور الناخبين، وإلا بحساب!
برلمان الطريق الثالث في الكويت، إذا جاز إطلاق هذا الاسم عليه، يضم في داخله المعارضة بكل توجهاتها، ويضم المرأة.. صحيح أنها امرأة وحيدة.. ولكنها تمثل النساء على كل حال.. ويضم مؤيدي الحكومة، ويضم المستقلين، ويضم نوابًا شبابًا بالمعنى الحقيقي للكلمة.
ولأنه بهذا التنوع، فإن العين متجهة إليه، والآمال معقودة عليه، وهو لن ينعش هذه الآمال، إلا إذا سلك طريقًا ثالثًا بين الطريقين، وإلا إذا تحلى بالمسؤولية، التي تتحلى بها برلمانات العالم المتطور، وهي تمشي في هذا الطريق.. وأغلب الظن أنه لها!