مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

أمام (صبّة الكونكريت)

اعتذر محافظ إحدى المدن عن مصافحة مبعوثة أوروبية (لحقوق الإنسان)، معللاً ذلك بأسباب دينية.
وشعرت المبعوثة بالحرج الشديد، غير أنها تمالكت نفسها وأجابته بكل رباطة جأش قائلة:
أعلم ذلك يا سيدي المحافظ وأقدر التزامك الديني، وأقبل اعتذارك. ولكني أعلم أيضاً، أن الإسلام كذلك يحرم السرقة والفساد والاضطهاد والعدوان، وتشجيع الفتنة والفرقة بين المسلمين.
وأعلمك أيضاً إذا كنت لا تعلم: أن قتل المسلم لأخيه المسلم أعظم عند الله من هدم الكعبة المشرفة.
وأكملت (بنت أبوها) كلامها قائلة:
وبالنظر لما يقع في بلادك، فإنني أعتقد أن مصافحة النساء لهي أهون من مصافحة اللصوص، الذين تضعون أيديكم في أيديهم – انتهى.
لو أنني كنت حاضراً هذا اللقاء وسمعت كلامها الذي يهز البدن، لهجمت عليها مقبلاً أنفها سواء بالرضى أو بالغصيبة، والمشكلة لو أنها اعتبرت حركتي تلك نوعاً من أنواع التحرش، ساعتها لا بد وأن أفهمها أن حركتي تلك تنم عن الإعجاب والتقدير لا أكثر ولا أقل، ونحن نفعل ذلك أحياناً لمن هم أكبر منا أو أعلم منا أو أرجل منا كذلك، وأنت بكلماتك تلك كنت أرجل من الكثير من رجال العرب والمسلمين.
وبالمناسبة فالمستشارة الألمانية (ميركل) تصادمت عنوة (بالأنوف) مع رئيس (نيوزيلندا) في زيارتها لتلك البلاد، وكان الخشم بالخشم يحتك بدون أي حرج، لأن هذه عادة السكان الأصليين بالترحيب بضيوفهم، تماماً كما هي عادة بعض قبائل الجنوب من أهل الخليج.
أما عن (المصافحة) فأنا من هواتها وأفضلها على العناق بين الرجال.. ولكن حتى المصافحة بدأت أخيراً أكرهها وأضيق بها لأنها تذكرني بتجربة سخيفة مررت بها في زمان مضى، حيث إنني وقتها كنت في إسبانيا، ودعيت إلى حفلة لا أذكر مناسبتها، وما أن دخلت القاعة الفسيحة حتى تقدمت لأصحاب الدعوة أصافحهم كما هي العادة، وما أن وصل الدور على سيدة بدينة تقف بالصف، وكانت محجبة ومع ذلك كانت ضاربة نفسها بالشيطان الرجيم من شدّة المبالغة (بالمكياج)، وما أن مددت يدي لها حتى تحولت هي إلى تمثال، وظلت يدي لفترة وهي ممدودة في الهواء، وأنا أتوسل لها بنظراتي أن تنقذني وتعطيني شرف مصافحتها دون جدوى، وكأنها تقول لي: (دا بعدك)، وأخيراً نزلت يدي بكل خجل مع قطرات عرق تساقطت من جبيني كذلك.
وما زالت لدي صورة التقطها لي أحد أصدقائي الله لا يذكره بالخير، ويدي ممدودة فيها (كخيال المآتة)، أما المعلمة (صبّة الكونكريت).
والآن أصبحت سلاماتي لكل من أقابلهم (99%) منها هي على الطريقة اليابانية: حيث أضم كفيّ على بعضهما البعض، مع ثلاث انحناءات بسيطة – وكان الله يحب المحسنين.