كما هو متوقع، فقد نأى بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بنفسه عن اتخاذ أي إجراءات جديدة الأسبوع الحالي. والهدف من ذلك تجنب الخضوع للفحص والتدقيق السياسي قبل بضعة أيام من الانتخابات الرئاسية الأميركية. لكن بالكلمات وأصوات أعضائه، اتخذ البنك المركزي خطوة في طريق إقرار توقعات البورصة بحدوث زيادة في سعر الفائدة البنكية في ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
فقد اعترف بنك الاحتياطي الفيدرالي بأن الوضع الاقتصادي قد تحسن عن ذي قبل، مما أدى إلى زيادة معدل الفائدة للمرة الأولى منذ ديسمبر (كانون الأول) وللمرة الثانية خلال عشر سنوات. كذلك استمرت الأوضاع في سوق العمل في التحسن في ضوء الارتفاع الكبير للأجور الذي صاحب نمو الوظائف.
ازدادت توقعات التضخم اعتمادًا على مؤشرات السوق، مثل مستويات «نقطة التعادل» في سوق سندات الخزانة المحمية من التضخم، وأظهر المسؤولون ما يدل على الاعتراف بالمخاطر المستقبلية لعدم الاستقرار المالي باعتباره ناتجًا عرضيًا لتدني معدلات الفائدة بصورة كبيرة ولفترات طويلة، رغم أن بنك الاحتياطي الفيدرالي لا يفضل الاتكال على هذه النقطة تحديدًا.
هذا ما حدث حتى بعد اجتذاب بنك الاحتياطي لانتباه السياسيين، الأمر الذي يعتبره البنك نذير شؤم، وهو ما أتشكك فيه. ففي موسم شديد الغرابة، اتُهم البنك المركزي بإظهار انحياز سياسي، خصوصًا تجاه الجمهوريين.
في الوقت نفسه، دعا البعض على الجانب الآخر، البنك المركزي لئلا يتسبب في إثارة المشكلات قرب موعد انتخابات محورية. وهذا هو السبب في أن البنك الاحتياطي الفيدرالي تمنى ألا يسفر اجتماع لجنة الاحتياطي الفيدرالي المقرر الأسبوع الحالي عن نتائج تذكر. غير أن الاجتماع نجح في أن يعلن عن عدم اتخاذ إجراءات جديدة. فلو حكمنا من خلال التصريح المقتضب الذي صدر عن بنك الاحتياطي عقب الاجتماع - حين قال مسؤولوه إن الرؤية ستكون أوضح بعد الإعلان عن فحوى محضر الاجتماع خلال الأسابيع القليلة المقبلة - فإن أفضل وصف لهذا الاجتماع هو أنه كان بمثابة «عملية تأخير».
فقد اعترف بنك الاحتياطي بزيادة احتمالات حدوث ارتفاع في معدلات الفائدة، مشيرًا إلى التحسن المستمر في سوق العمل واحتمالات ارتفاع طفيف في معدلات التضخم. غير أن البنك ترك الباب مفتوحًا أمام خياراته السياسية، وهو أمر أتفهمه جيدًا.
ومن الآن حتى الاجتماع المقرر في منتصف ديسمبر (كانون الأول) المقبل، سيحتاج المسؤولون إلى تقييم تأثير الانتخابات ودلالات تقريري الوظائف لشهرين، وأيضًا إلى مراقبة التطورات بالخارج (تحديدًا أوروبا والصين).
يتحدث التقرير أيضًا عن مضمون أوسع تحدثت عنه بإسهاب بداية الأسبوع الحالي. ورغم الاتجاه إلى تبني إجراءات سياسية، فإن البنوك المركزية في ثلاث قارات قد جرى تهميشها بسبب بعض الظروف المحيطة. وقد تكون تلك البنوك تشير إلى لأسواق للتنبه لحدوث تناقص تدريجي في استعدادهم وقدرتهم على تنفيذ تلك الإجراءات التي قدمت خدمات قيمة للمستثمرين حتى الآن عن طريق إيقاف التقلبات المالية في الأسواق العالمية التي تتصف بأوضاع اقتصادية ومالية ومؤسساتية وسياسية غير مستقرة.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»