مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

أين النعام في السعودية؟

مع بداية موسم الشتاء والبرد في السعودية يزداد الطلب على «الحطب» في كثير من مناطق المملكة، وبسبب الاحتطاب الجائر طيلة السنوات الماضية سنت السلطات السعودية قوانين صارمة لملاحقة تجار الحطب.

الملاحقة قائمة، والاحتيال أيضا قائم، فمن يقاوم عبق السمر والأرطى والغضا؟

هذا القانون يزداد صرامة عاما عن عام، وهو يأتي ضمن حزمة أخرى من قوانين شرع فيها في وقت متأخر فعلا لحماية «بيئة» السعودية، من شجر وحجر وحيوان.

إلى فترة قريبة، نسبيا، كان طائر النعام يعيش في ربوع نجد وشمال الجزيرة العربية، قيلت فيه الأشعار الكثيرة، وسميت به مواضع، ووضعت عنه أمثال.

عنترة بن شداد في معلقته الجاهلية، وهو عاش في مواضع بمنطقة القصيم وغيرها، وصف نعاما يعتاد بيضه في موضع اسمه ذو العشيرة:

«صعل يعود بذي العشيرة بيضه.. كالعبد ذي الفرو الطويل الأصلم»..

والصعل صغير الرأس أصلعه، كما شرح العلماء.

وفي العصور الحديثة قال شاعر وفارس مشهور من بطن الجزيرة العربية، في صورة لطيفة يشبّه فيها دابته السريعة بسرعة النعامة بسبب أنها ولدت من مزيج بين الإبل والنعام:

«أمه نعامة واضربوها بعيري.. وجا مغلطاني على خف وجناح»..

أي أن أم هذا القعود أو البعير الصغير هي نعامة ووالده بعير، لذلك جاء مشتبها «مغلطاني» بسن قوة الخف ورشاقة الجناح.

الفهد والنمر والضبع والذئب، كلها كانت، إلى فترة قريبة، من سباع البر السعودي، كذلك القطا والكروان والقمري كانت من الطيور الجميلة في وديان الجزيرة العربية وفيافيها.. تكاد تختفي. كل شيء معرض للاختفاء حتى رمال الصحراء.

قبل أيام قرأت في «العربية نت» أن لجنة حكومية ضبطت في شرق السعودية أكثر من 100 شاحنة ورافعة ثقيلة تسرق رمال الدهناء والربع الخالي. وأضاف مسؤول بلدية مدينة الدمام أن العقوبات المتبعة في هذه الحالات تتمثل في حجز المركبة وتغريم صاحبها، مبينا أن الغرامة تصل إلى 10 آلاف ريال، إلى جانب حجز الشاحنة مدة 30 يوما.

هناك جهود مشكورة في هذا السياق، وهيئات حكومية تقوم بعملها، ومحميات طبيعية رائعة مثل محاذاة الصيد قرب الطائف. كل هذا مشكور ومذكور، لكن القصة أكبر من كل هذا.

البيئة الطبيعية ليست ترفا، بل هي فسحة للروح وراحة للعين وعطر للوجود وعلامة على الهوية.