ألبرت هنت
كاتب عمود في صحيفة بلومبيرغ
TT

هيلاري كلينتون واستحضار شخصية «الدكتور نو»

كان مكتب التحقيقات الفيدرالي محقًا بشأن توصيته بعدم فتح قضية جنائية بحق هيلاري كلينتون لاستخدامها البريد الإلكتروني الخاص بها، خلال فترة توليها منصب وزير الخارجية الأميركي. غير أنها بحاجة إلى معالجة تلك الغطرسة المتهورة التي تنتهجها، والتي قد ينجم عنها مزيد من الكوارث حال وصولها إلى البيت الأبيض.
ولكي تتمكن من حماية نفسها كرئيسة وحماية الرئاسة، تحتاج كلينتون إلى استحضار شخصية «الدكتور نو» في الفيلم البريطاني المعروف، بمعنى أنها بحاجة إلى وجود شخص يتمتع بسلطة أكبر من الموالين البارعين الذين تحيط نفسها بهم، أي بحاجة إلى شخص تسمح له مكانته أن يقول لها: «لا يا سيدتي، لا يمكنك القيام بذلك».
سيصيح دونالد ترامب وجوقة الجمهوريين بالقول إن الاستجواب المطول لمكتب التحقيقات الفيدرالي قد انتهى أخيرًا، وإنه قد حان وقت توجيه الاتهام لها، وتلك هي الديماغوغية الحزبية بعينها.
وتجدر الإشارة إلى أن جيمس كومي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية الذي اتخذ هذا القرار، هو رجل يتمتع بنزاهة لا تشوبها شائبة ومصداقية لدى كل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
وقد صرح كومي بوجود أدلة على إساءة التعامل مع الرسائل السرية، ولكن ليس بالطريقة التي تستدعي الملاحقة القضائية. وبالمقارنة مع الحالات الأخرى، كحالة ديفيد بتريوس على سبيل المثال، فقد حُكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ ودفع غرامة لإعطائه عمدًا مواد سرية لشريكته السابقة، خلال فترة شغله لمنصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية، حيث إن النية واضحة في حالته بخلاف حالة كلينتون.
وقد استخدمت كلينتون خادما (سيرفر) خاصا من أجل منع الجمهوريين البارعين في النقد – الذين قد نعتتهم ذات مرة بمؤامرة الجناح اليميني الشاسعة – من العبث في رسائل بريدها الإلكتروني وأفكارها، زاعمة أن الأمر لم يكن من أجل الراحة.
وعلى الرغم من أن سوء نية أعدائها كان حقيقيا بما يكفي، فإن الطريقة التي انتهجتها في التعامل مع الأمر تخطت حدود الإهمال بمراحل، فاستخدام البريد الإلكتروني كان منهجيًا وضد سياسة أوباما، وإن صدر ذلك عن مسؤولين آخرين لكانت جريمة لا تغتفر.
وكذلك، فإن ذلك يشي بأمر مثير للقلق حول علاقة كلينتون مع الموظفين المخلصين والمؤهلين، ألا وهو أن ما من مستشار، على ما يبدو، مخول لأن يقول لها إنها مخطئة.
وما تحتاجه كلينتون، والذي ربما سوف تقاومه، هو وجود نظير قوي يضع المصلحة العامة فوق الولاء الشخصي. هذا الشخص فقط بمقدوره أن يقول لها: «سيدتي الوزيرة، لا يمكنك استخدام خادم (سيرفر) خاص للبريد الإلكتروني الخاص بك؛ لأنه ينتهك روح القانون، حتى وإن لم ينتهك نص القانون صراحة».
وهذا الشخص نفسه كان بإمكانه أن يقول: «السيدة كلينتون، إذا كنت تريدين أن تعطي الخطب للشركات الكبرى في وول ستريت، فهذا حسن، إلا أنك لست مليارديرة، وببساطة ليس من المقبول أن تكسبي 275 ألف دولار من أجل خطبة مقتضبة، فضلاً عن كون هذا الأمر يخلو من الحكمة سياسيا».
وكما أن هذا الشخص نفسه (دكتور نو) كان بإمكانه أيضًا إخبار بيل كلينتون: «لا يمكنك مقابلة المدعي العام للولايات المتحدة، في وقت تنظر فيه في قضية حساسة تتعلق بزوجتك».
فلطالما رفض الزوجان كلينتون النصح الجيد من قبل. ففي الليلة الأخيرة من فترة إدارة بيل كلينتون، غادر رئيس الأركان جون بودستا البيت الأبيض في الساعات الأولى من الليل، مقتنعًا بأن الرئيس لن يعفو عن مارك ريتش المدان الهارب. إلا أنه عندما عاد بعد عدة ساعات، وجد أن العفو قد صدر بغير حكمة.
ولا يتعلق الأمر بأن خوف هيلاري كلينتون من أعدائها لا أساس له من الصحة، انظر إلى لجنة التحقيق في هجوم بنغازي، أو الجهود التي تبذل من أجل التشهير بتنظيم الأسرة، وسيطاردها أتباع اليمين المتطرف إذا ما وصلت كلينتون إلى مقر الرئاسة في 1600 بشارع بنسلفانيا. وفي حال ردت كلينتون على ذلك من خلال تجنب المساءلة، كما فعلت في إنشاء خادم (سيرفر) البريد الإلكتروني الخاص بها، ستتسبب في أن تجلب لنفسها مزيدا من الجروح الذاتية.

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»