بيتر بيرغن
TT

لماذا يرتكب المتطرفون العمليات الإرهابية؟

بعد الهجوم الإرهابي الذي وقع في فلوريدا يوم الأحد الماضي، واحد من أهم الأسئلة التي تتبادر إلى ذهن الناس دائمًا هو: لماذا؟ لماذا يتعمد شخص ما أن يودي بحياة المدنيين الأبرياء والغرباء عنه بالكلية؟ وهو من الأسئلة التي طال الوقت بي محاولاً العثور على إجابة له. ولكن أبحاثي قادتني بدلاً من ذلك إلى طرح سؤال آخر: هل إجابة مثل هذا السؤال فعلاً ممكنة؟
في محاولة للوقوف على السبب الدافع للإرهابيين لفعل ما يفعلونه، راجع الباحثون في مركز أبحاث نيو أميركا، برفقتي، سجلات المحاكم لأكثر من 300 قضية لأناس متهمين بالإرهاب المتشدد في الولايات المتحدة منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001، التي تتراوح بين قضايا تافهة بعض الشيء، مثل إرسال مبالغ مالية صغيرة إلى الجماعات الإرهابية الأجنبية، وقضايا خطيرة بحق، مثل قضايا القتل.
والتفسير السهل - وهو أن الإرهاب المتشدد في الولايات المتحدة «خاطئ» و«مجنون» - هو من التفسيرات التي أُثبتُ خطأها ببساطة. فهناك واحد من كل عشرة لديه مشكلات صحية عقلية، وهو دون المتوقع في عموم السكان. كما أنهم ليسوا من عتاة المجرمين من معتادي الإجرام: إذ إن نسبة 12 في المائة منهم فقط كانت لهم سوابق جنائية دخلوا السجن بسببها، مقارنة بنسبة 11 في المائة من المواطنين الأميركيين الذكور.
كما خلصت إلى أن الجناة كانوا يتحركون في العموم وفق مزيج متنوع من العوامل، بما في ذلك الآيديولوجية المتطرفة، وكراهية السياسة الخارجية الأميركية في العالم الإسلامي، والحاجة إلى ربط أنفسهم بآيديولوجية أو بجماعة أو منظمة تمنحهم الإحساس بالأهمية والوجود، و«الفتح المعرفي».
ولكن في كل حالة من الحالات، كانت نسبة الدوافع المحفزة للتحرك متباينة. على سبيل المثال، كان تامرلان تسارناييف، الشقيق الأكبر للأخوين اللذين نفذا هجمات ماراثون بوسطن في عام 2013، مسلمًا غير متدين وتحول إلى متطرف بمجرد ما تلاشت آماله لأن يكون ملاكمًا أولمبيًا. وكان عاطلاً عن العمل وقت الهجوم. وبالنسبة له، كان تفجير سباق الماراثون يمنحه فرصة لأن يكون الشخصية البطولية التي كان يحلم بها لنفسه.
على الناحية الأخرى، كان شقيقه الأصغر، جوهر تسارناييف، يدخن مخدر الماريجوانا، ويحتسي الخمر، ويطارد الفتيات، وهي ليست تصرفات المسلم على أي تقدير. وكانت دوافع جوهر تسارناييف لشن الهجمات بدلاً من ذلك قد تكونت بفعل أخيه الأكبر، الذي كان يحبه ويعجب به كثيرًا، ومن واقع معارضته ذات الدعم الواهي الضعيف للسياسة الخارجية الأميركية.
نضال حسن، المقدم في الجيش الأميركي الذي قتل 13 شخصًا في قاعدة فورت هود العسكرية في ولاية تكساس عام 2009، كان يبدو من أصحاب التيار المتشدد. فلقد كان متعصبًا للغاية وكارهًا بشدة للسياسة الخارجية الأميركية. ولكن وفقًا لإفادات نادر حسن، ابن عمه الأكبر الذي نشأ وتربى معه، كانت مذبحة فورت هود ناجمة عن دوافع تتعلق بمشكلات نضال حسن الشخصية.
لم يكن ديفيد سي. هيدلي، مثلا وهو من مواطني شيكاغو الذي أشرف على معظم التخطيط لهجمات عام 2008 في مومباي بالهند التي أسفرت عن مصرع 160 شخصًا، من المسلمين الملتزمين بشعائر الإسلام.
تؤكد هذه القصص على الصعوبة الماثلة أمامنا في الإجابة على سؤالنا الأول: لماذا يرتكب الإرهابيون مثل تلك الجرائم البشعة؟ الدوافع البشرية شديدة التعقيد. وكما لاحظ الفيلسوف إيمانويل كانط: «من بين أخشاب الإنسانية الملتوية لم يخرج شيء سليم أو مستقيم قط». وهي تذكرة مفيدة لجموع الصحافيين والسياسيين على حد سواء بأن البشر في غالب الأمر ما يخالفون التصنيفات المزخرفة الأنيقة.
وبالنظر إلى ذلك، كيف يمكن لأجهزة إنفاذ القانون التعامل مع الأمر؟ يستخدم المحللون السلوكيون في مكتب التحقيقات الفيدرالية إطارًا ذكيًا. فهم يركزون على السلوكيات التي تُظهر أن أحد الأشخاص على مسار يسمونه «الطريق نحو العنف». والآيديولوجية الممهدة لذلك المسار تأتي في المرتبة الثانية، وسواء كانوا يتعاملون مع النازيين الجدد أو مع الإرهابيين المتشددين، فإن محللي المباحث الفيدرالية يستخدمون الأفعال، وليس الأفكار، في تحديد ما إذا كان الشخص محل التحليل سوف ينفذ الهجوم من عدمه. وتُسقط هذه المقاربة من حساباتها تمامًا معامل «الغرض» وتركز بدلاً منها على معامل «الفعل»: ما الذي سوف «يفعله» أي مشتبه به من أي منحى آيديولوجي على طول مساره نحو العنف؟ مثالاً برصد الأهداف أو الحصول على الأسلحة.
بطبيعة الحال، فإن هذه المقاربة منقوصة. إذ إن عمر متين، إرهابي حادثة أورلاندو، كان قد خضع للتحقيق من قبل المباحث الفيدرالية مرتين. ولكنه في ذلك الوقت كان أبعد ما يكون عن انتهاج المسار نحو العنف. ووفقًا للتقارير، بدأ عمر في رصد الملهى الليلي في أورلاندو، والحصول على الأسلحة، ومحاولة شراء الدروع الواقية العسكرية خلال الأسابيع القليلة السابقة على الهجوم.
ما من شك في أننا سوف نعرف المزيد حول عمر متين في الأيام المقبلة. ولكن من غير المرجح أن أي معلومات تظهر سوف تفسر لنا على سبيل الوضوح السبب الرئيسي الذي دفعه لارتكاب هذه الجريمة النكراء. قد يخبرنا ذلك بشيء ما حول طبيعة الشر، وهي التي في نهاية المطاف غير مبررة على الإطلاق. حتى الجناة أنفسهم لا يمكنهم أبدًا تفسير «لماذا» يفعلون ما يفعلون بأي طريقة مجدية؟
* خدمة: «نيويورك تايمز»