قبل عدة أعوام، طلبت الطبيبة النفسية الاجتماعية شينا لينغار من 100 من طلاب الجامعات الأميركية واليابانية تناول قطعة من الورق، وطلبت منهم أن يكتبوا، على أحد الجوانب، القرارات التي يرغبون اتخاذها لأنفسهم في حياتهم. وعلى الجانب الآخر، كتبوا القرارات التي يرغبون في نقلها إلى الآخرين.
كتب الطلاب الأميركيون القرارات التي يريدون أن يتخذوها لأنفسهم. أين يعيشون. نوع الوظيفة. وكان أغلب الجانب الآخر من الورقة فارغًا. وكان القرار الوحيد الذي أرادوا نقله إلى الآخرين هو: «عندما أموت».
وملأ الطلاب اليابانيون الجانب الخلفي من الورقة أولاً بأشياء يريدون للآخرين أن يقرروها: ماذا يرتدون، في أي وقت يستيقظون، ما الذي يفعلونه في وظائفهم. وكان الخيار المرغوب للطلاب الأميركيين مضاعفًا بمقدار أربع مرات في أكثر المجالات عن نظرائهم من اليابانيين.
كان جُل تركيز الطلاب الأميركيين على الخيارات الفردية. ولكن حتى وفقًا للمعايير الخاصة بنا كان لدينا ما يُسمى بـ«انفجار الخيارات» عبر الـ30 عامًا الماضية. ولدى الأميركيين الآن المزيد من الخيارات عبر المزيد من الأشياء عن أي ثقافة أخرى في تاريخ البشرية. يمكننا الاختيار بين مجموعات موسعة من الأغذية والمشروبات، والمصادر الإعلامية، وأنماط الحياة، والهويات.
ولدينا حرية أكبر في التعبير عن هوياتنا الجنسية والكثير من الخيارات الدينية وغير الدينية للتعبير عن طبائعنا الروحية.
أسفرت هذه المقدمة عن كثير مما هو رائع بالفعل. غير أن اتخاذ القرارات هو من الصعوبة بشكل لا يصدق، حتى بالنسبة لصناع القرارات من المحترفين أصحاب الدرجات العلمية العالية.
وكما أوضح تشيب هيث ودان هيث في كتابهما الذي يحمل عنوان «الحسم»، فإن 83 في المائة من عمليات الدمج المؤسسي والاستحواذات التجارية الكبيرة لا تسفر عن زيادة محققة في أرباح أو حقوق المساهمين، و40 في المائة من الوظائف الرفيعة لا تستمر لأكثر من عام ونصف العام في المناصب الجديدة، و44 في المائة من المحامين قد ينصحون شباب الخريجين بعدم متابعة خطواتهم المهنية في عالم القانون والمحاماة.
وأصبح من المهم وعلى نحو جاد أن نتعلم كيف نتخذ القرارات بشكل سليم، ونعمل على تطوير أساليب النأي بالذات لمواجهة العيوب أو القصور البيِّن في آلياتنا العقلية. ويعتبر كتاب الأخوين هيث من الكتب ذات الأهمية المعتبرة في بيان مثل تلك الأساليب.
على سبيل المثال، فإنهما ذكرا مبدأ افتراض النية الإيجابية. عندما تكون في خضم بعض النزاعات، ابدأ بالاعتقاد بحسن نية الآخرين. مما يجعل الأمر سهلاً في استيعاب المعلومات من الناس الذين تود عدم الاستماع إليهم بالمقام الأول.
كما أنهما سلّطا الضوء على قاعدة «10 - 10 - 10» لصاحبتها سوزي ويلش. عندما تكون على وشك اتخاذ قرار ما، اسأل نفسك كيف سوف يكون شعورك حول هذا القرار بعد مرور 10 دقائق من الآن، ثم بعد مرور 10 شهور من اتخاذ القرار، ثم بعد مرور 10 سنوات على اتخاذه. ينحاز الناس كثيرًا وبشكل مفرط بسبب الآلام الآنية لبعض اختياراتهم، ولكنهم يمكنهم إدراج آلام المدى القصير في منظور المدى البعيد، من خلال طرح هذه الأسئلة على الذات.
يوصي الأخوان هيث بارتكاب الأخطاء المتعمدة. وخلص مسح للعرائس الجدد إلى أن 20 في المائة منهن لم يكنَّ منجذبات بالأساس إلى الرجال الذين تزوجن منهم. في بعض الأحيان يكون من المفيد ارتكاب الأخطاء المتعمدة - والموافقة على دعوة للعشاء مثلا مع شخص ليس من النوع الذي يروق لكم.
وفي بعض الأحيان أنت لا تعرف على وجه اليقين ما تريده، والمرشحات التي تطبقها على قراراتك تسبب لك المزيد من الأوجاع.
إنهما يذكران الميل إلى الإطار الضيق للتفكير، واعتبار كل قرار من زاوية أنه قرار ثنائي أو مزدوج التوجه «إما نعم أو لا». في كل مرة تجد نفسك في مواجهة هذا السؤال المزدوج الإجابة، من الأفضل التوقف قليلا، وأسأل نفسك: «كيف يمكنني توسيع نطاق خياراتي؟»، وبعبارة أخرى، قبل أن تسأل نفسك: «أينبغي عليّ طرد هذا الموظف؟»، اسأل نفسك: «هل هناك من طريقة يمكنني بها تحويل دور هذا الموظف داخل المؤسسة للاستفادة من مواطن قوته وتلافي نقاط ضعفه؟».
يعني انفجار الخيارات أننا جميعًا في حاجة إلى المساعدة في تفهم وإدراك تشريح عملية اتخاذ القرار. وهذا ما يجعلك تعتقد في ضرورة وجود مناهج لصناعة القرار في كل الكليات.
وقد تزيد الحاجة إلى نشر أعمال دانيال كانيمان، وكاس صانشتاين، ودان أريلي، وغيرهم ممن درسوا الطريقة التي نتخبط بسببها، والأساليب التي يمكن أن نتبناها لتجنب الوقوع في الأخطاء.
قد يكون ذلك من الأهمية الخاصة بمكان بالنسبة للكليات التي توفر الخدمات للفئة الأقل حظًا في المجتمع، حيث يضفي انفجار الخيارات المزيد من الأعباء على عاتق الفرد.
لدى الأميركيين الفقراء موارد أقل من حيث إتقان أساليب صنع القرار، ودعم اجتماعي أقل لتوجيه عملية صنع القرار لديهم، ومستوى أقل من شبكة الأمان التي تحميهم عند الوقوع في الأخطاء.
وكما أظهرت أبحاث كل من سينديل موليناثان وإلدار شافير، فإن وطأة الندرة ذاتها يمكنها تشويه عملية صنع القرار، فإن من يعانون من التوتر، وهم بعمر الطفولة، يتعاملون مع التهديدات المستقبلية بشكل أكثر حدة، وأقل دفاعًا. ولاحظ مدير إحدى المدارس التي أعرفها في بيتسبرغ أن الحياة في منطقة يتركز فيها الفقر والعوز قد تقلل كثيرًا من الخيارات المتصورة للحياة، وبالتالي يعفونك تمامًا من أعباء خيارات الحياة. ومن الصعب المحافظة على شعور الوحدة عندما تفقد الإحساس بالفرص السانحة والخيارات المتاحة.
وبهذه الطريقة، فإن انفجار الخيارات قد أسهم كثيرًا في اتساع رقعة عدم المساواة.
من الأهمية بمكان أن تتوافر الفرص والحوافز. ولكننا في حاجة إلى الدروس في الوعي الذاتي - أي أن أدوات صناعة القرارات لدينا هي أدوات معيبة بالأساس، وحول الأطر العقلية التي يمكننا اعتمادها لتجنب المزيد من العبث بأكثر مما نفعل.
* خدمة «نيويورك تايمز»