يعد تبادل المبعوثين الدبلوماسيين إحدى أقدم صور العلاقات الدولية، واستقر بشأنه عدد كبير من القواعد منذ قرون، حيث التزمت الدول والكيانات الدولية منذ سنوات طويلة باحترام هذه القواعد العرفية التي أصبحت في ما بعد الأساس لعدد من القواعد المكتوبة، التي صاغتها لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة في صورة عدد من الاتفاقيات الدولية.
وبشكل عام، يمكن أن تقرر قواعد القانون الدولي، الحماية الدولية لمقار البعثات الدبلوماسية والقنصلية، وتمتد الحماية إلى ما تحويه هذه المقار من أرشيف ووثائق وأجهزة اتصال، كما تمتد الحماية كذلك لجميع أعضاء هذه البعثات وأسرهم. وتتمثل العلة الأساسية في تقرير الحماية بموجب قواعد القانون الدولي لمقار البعثات الدبلوماسية والقنصلية في ضمان الأداء الفعال للوظيفة الدبلوماسية، وتأمين استقلال عمل الموظفين الدبلوماسيين واحترام سيادة الدولة المعتمدة. وعليه، تلتزم الدولة المعتمد لديها ليس فقط بتوفير الحماية اللازمة بشكل مباشر، بل أيضًا باتخاذ الإجراءات الكفيلة بوقف حالات الاعتداء التي قد تتعرض لها مقار البعثات الدبلوماسية والقنصلية من جهات غير رسمية أو من جانب الأشخاص العاديين، وتلتزم الدول المعتمد لديها هذه البعثات بمعاقبة من يعتدي على البعثات الدبلوماسية والقنصلية.
وقد حددت اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 المقصود بمقار البعثات الدبلوماسية، ليشمل ذلك المباني وأجزاء المباني والأراضي الملحقة بها التي تستعملها البعثة - أيا كان المالك - كما يشمل أيضًا مقر إقامة رئيس البعثة. كما نصت الاتفاقية ذاتها على أن تتمتع مباني البعثة بالحرمة. وليس لممثلي الحكومة المعتمد لديها الحق في دخول مباني البعثة إلا إذا وافق على ذلك رئيس البعثة. وعلى الدولة المعتمد لديها التزام خاص باتخاذ كل الوسائل اللازمة لمنع اقتحام أو الإضرار بمباني البعثة وبصيانة أمن البعثة من الاضطراب أو من الحطّ من كرامتها. وأخيرا، لا يجوز أن تكون مباني البعثة أو مفروشاتها أو كل ما يوجد فيها من أشياء، أو كل وسائل النقل عرضة للاستيلاء أو التفتيش أو الحجز لأي إجراء تنفيذي. وقد تضمنت اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية (1963) أحكاما مماثلة بشأن الحماية التي قررتها للبعثات القنصلية.
وقد استقر الفقه الدولي وأحكام المحاكم، على ترتيب المسؤولية الدولية حال تقصير الدولة المعتمد لديها في توفير الحماية لمقار البعثات الدبلوماسية والقنصلية. وقد تعرضت محكمة العدل الدولية إلى تناول هذا الموضوع في حكمها الشهير في القضية المعروفة باسم قضية الرهائن، والتي صدر بشأنها حكم المحكمة عام 1980، الذي فصل في الدعوى التي أقامتها الولايات المتحدة ضد إيران بعد اعتداء بعض الأشخاص على سفارة الولايات المتحدة في طهران وقنصلياتها في تبريز وشيراز، في أعقاب الثورة الإيرانية، وعجز السلطات الإيرانية، بل تجاهلها توفير الحماية الدولية اللازمة لمقار وأعضاء البعثات الدبلوماسية الأميركية المعتمدة في طهران في ذلك الحين. وبعد أن فحصت محكمة العدل الدولية كل الوقائع الخاصة بهذه القضية، قررت أن تقاعس السلطات الإيرانية في ذلك الحين في توفير الحماية اللازمة لمقار البعثات الدبلوماسية، بما في ذلك أرشيفها ووثائقها، يشكل انتهاكا جسيما لالتزاماتها الدولية المقررة بموجب أحكام الاتفاقيات الدولية ذات الصلة. علاوة على ذلك قضت المحكمة بحق الولايات المتحدة في مطالبة إيران بالتعويض عن الخسائر والأضرار التي لحقت بمقار بعثاتها الدبلوماسية والقنصلية، كما يشمل الالتزام بأداء التعويض إخلال إيران بالتزامها باحترام القواعد الدولية المقررة في هذا الشأن.
* أستاذ في القانون الدولي وسفير مصر لدى اليونيسكو ورئيس المجلس التنفيذي لليونيسكو (2013 - 2015)
TT
الحماية الدولية لمقار البعثات الدبلوماسية والقنصلية
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة