أسبغ إعلام الممانعة على سمير القنطار لقب «شهيد» فغضب المعارضون لنظام بشار الأسد، إذ كيف يمكن لشخص جاهر بدعم نظام مجرم كنظام الأسد، وساهم في تشكيل مجموعات قتالية موالية للنظام داخل سوريا، وأعلن بنفسه مرارًا انحيازه إلى الأسد، أن يطلق عليه لقب «شهيد»، حتى ولو كانت إسرائيل «العدوة» هي من قتلته بعد أن كانت سجنته لثلاثة عقود. كتب معارضون مقالات وثارت ثائرتهم عبر «فيسبوك» و«تويتر» ضد تسمية مشارك في قتل السوريين بالشهيد.
لم تمضِ أيام حتى أطلق إعلام معارض للأسد صفة «شهيد» على قائد جبهة جيش الإسلام زهران علوش، وهو زعيم الحرب الذي ارتبط اسمه بخطف رموز للثورة السورية كرزان زيتونة وسميرة الخليل ونظام حمادي ووائل حمادة، وهو أيضًا من ارتبط بعمليات إعدام مصورة وبسجن مدنيين في أقفاص كما حصل قبل أسابيع، عدا عن اعتقالات وتصفيات شهدتها مناطق سيطرته. هنا رد الإعلام الممانع الذي حاول الثأر من مقتل القنطار بالابتهاج لقتل علوش وبالسخرية ممن يعتبرونه شهيدًا.
أعلنت حرب الشهداء، وكانت المبارزة في التعليقات حول من يستحق لقب «شهيد»، القنطار أم علوش. ما ضاعف من سوريالية المشهد انحياز معارضين لدور القنطار في سوريا إلى الجماعات التي نصبته «شهيدًا» لأن إسرائيل هي من قتلته. الأمر نفسه انطبق على بعض من كان ينتقد علوش وممارساته، فقرروا الانحياز له «شهيدًا» في لحظة استهداف روسي لما يرونه رأس حربة للمعارضة السورية..
خلال أقل من أسبوع كنا أمام نموذجين لحالتين قصويين من حالات الفصام السياسي والأخلاقي التي نعيش بين دفتيها. ففي حالتي اغتيال القنطار وعلوش كان لهوية القاتل دور في تطهير القتيل من كل خطاياه وآثامه وكأنما بات طبيعيًا ألا نتمكن من إدانة الاغتيال والقتل من دون منح صكوك براءة لارتكابات وجرائم فقط، لأن هوية القاتل وهوية القتيل هي محط خلافنا وأزمتنا. ما زاد في ركاكة المشهد تولي الطيران الروسي ربط المصالح بين الأضداد، فهو سهل من جهة لإسرائيل اغتيال القنطار، وهو من جهة أخرى من قتل علوش. يحصل هذا أمامنا جميعًا، ولكن ورغم وضوح المشهد، فإن وقائعه كانت أشبه بالتراجيديا التي بتنا لا نجيد غيرها، وهي إسباغ مراتب الشهادة يمنة ويسرة متغافلين عن الكثير من الوقائع النافرة حول سير هؤلاء «الشهداء». فبالنسبة إلى البعض تكفي غارة إسرائيلية لتطهر القنطار من خطيئة دعم نظام قاتل، وبالنسبة للبعض الآخر يسهل قيام الروس بغارة لرفع علوش إلى مراتب الشهداء متجاوزين كل حقائق الخطف والاغتيال التي اقترنت به.
يرفض من انحاز للقنطار أن يخوض نقاشًا أساسيًا لتجربته، لا أعني فقط دعمه النظام في سوريا، بل ما قبل ذلك؛ أي منذ بداية عمله العسكري حين كان لا يزال شابًا يافعًا شارك في عملية نهاريا التي كانت حصيلتها قتل أب وطفلته، قال القضاء الإسرائيلي إن القنطار قتلهما، لكن القنطار أنكر الواقعة. إنكار القنطار للواقعة بدا ضعيفًا، لكن وإن افترضنا أنه حقيقي إلا أنه لم يعلن أنه تراجع عما أقدم عليه بل عبر مرارًا عن التزامه وانحيازه لنهج القتل والخطف بصفته «مقاومة»، وهو خرج من السجن ليجاهر بأنه مستمر فيما بدأه حين كان صغيرًا. إنها القناعة نفسها التي قادته للدفاع عن النظام البعثي السوري.
زهران علوش أيضًا أنكر أنه خطف مجموعة من أنبل ما أنجبت الثورة السورية؛ أعني رزان زيتونة وسميرة الخليل وناظم حمادي ووائل حمادة، بل واستهزأ مرارًا من الباحثين عنهم رغم كل القرائن حول مسؤوليته. أما الاعتقالات والخطف والإعدامات التي ارتكبها فتلك سبل لـ«مقاومة» بطش الأسد وأعوانه. أليس هو من برر وضع رجال ونساء مدنيين في أقفاص بصفته عملاً مبررًا لردع نيران الأسد.
كم بدا المنتشون بـ«شهادة» القنطار غافلين حين قرروا أن الموت بقصف إسرائيلي يعفي القتيل من المساءلة ويحول من يطرح تلك المساءلة إلى خائن وعميل. أما الكارهون لفلاديمير بوتين والحماية الشريرة التي يقدمها لحليفه بشار الأسد، فهم قرروا ببساطة أيضًا أن مقتل علوش بقصف روسي يسمح لهم بإسباغ مآثر وأوهام بطولية على شخصية أهانت الثورة السورية وأصابتها في مقتل.
diana@ asharqalawsat.com