د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

هدية الرئيس لأجياله

استمع إلى المقالة

‏سيكون في مقدور الطفل الذي ولد في حقبة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الثانية، الحصول على نحو 200 ألف دولار بعد عشرين عاماً من ولادته. روعة اقتراح التاجر الثري ترمب تكمن في أنه لا يريد منح مبلغ مقطوع على طريقة العلاوات، التي يمتصها التضخم، ولكنه يرجو تنشئة جيل يتذكر أن رئيسه قد منحه فرصة الدخول إلى عالم الاستثمار، حيث سيتم استثمار ألف دولار تدفعها الخزانة الأميركية، عند ولادة الطفل الذي أعلن والداه رغبتهما في الاشتراك.

هذا المبلغ أو «بذرة رأس المال» يستثمر في صناديق مؤشرات الأسهم الأميركية التي تتبع السوق، وتديره مصارف وشركات احترافية. ويُمنح الوالدان فرصة إضافة ما لا يتجاوز خمسة آلاف دولار سنوياً حداً أقصى يمكنهم إضافته لمحفظة ابنهم «المحظوظ» الذي أتوقع أن تستثمر محفظته بعائد سنوي 7 في المائة تقريباً، وهو دون المتوسط التاريخي لمؤشرات الأسهم.

عائلة «دِل» المالكة لحواسيب «دِل» أعجبت بالفكرة، فقررت أن تشارك بتبرع سخي - من منطلق وطني - بحيث تمول الفئات الأقل دخلاً، التي لا تنطبق عليها شروط «حسابات ترمب» التي سوف تبدأ في يوليو (تموز) 2026.

روعة القرار الأميركي أنه مستدام، وهو صرخة عالية للناس في كل مكان بالالتفات إلى «سحر» الفائدة المركبة التي تعظم العوائد بشكل مذهل كلما أعاد المرء استثمار أرباحه على رأسماله. الفائدة المركبة شريكة في بناء الثروة، التي تُوصف بأنها «الأعجوبة الثامنة» بعد عجائب الدنيا السبع.

ولذلك، قال الملياردير تشارلي مونغر شريك وارين بوفيت، إن الثروة لا تصنع بالذكاء الخارق بقدر ما تصنع بالصبر والفائدة المركبة، فمن يستثمر في سوق الأسهم على مدى عشرين عاماً لا يخرج خاسراً (كما يؤكد التاريخ)، بينما يخسر من يضارب بلا دراية، أو يَفِر من السوق عند الهزة الأولى.

‏المحزن أن هذا الخبر مرّ مرور الكرام في صحافتنا العربية، رغم أنه يفتح باباً حقيقياً لبناء ثروة للشباب، ويدخلهم إلى عالم الاستثمار مبكراً، بل ويمنح أبناء الأسر المنخفضة الدخل فرصة بناء رأسمال للمستقبل. فمن شروط هذه الحسابات أنها لا تُمس قبل سن الثامنة عشرة، ولا يُسمح باستخدامها إلا لأغراض محددة: كتأسيس مشروع تجاري، أو تمويل التعليم، أو توفير دفعة أولى لشراء منزل.

ويتيح النظام لأطراف خارجية المشاركة في التبرع فيه مثل أرباب العمل، والأقارب، والأصدقاء، والحكومات المحلية، والمؤسسات الخيرية.

أرجو أن تبادر شركات وطنية كبرى في الدول العربية والخليجية، بإنشاء صندوق وطني للمولود الجديد، تُستثمر فيه مبالغ رمزية منذ الولادة، ليبلغ الجيل القادم سن الرشد، وهو يمتلك رأس مال... لا مجرد أمنيات.