عبد العزيز الغيامة
صحافي سعودي منذ 1998 وحاصل على وسام الإعلام الرياضي العربي من الاتحاد العربي للصحافة الرياضية عام 2022 ورئيس لقسم الرياضة في صحيفة «الشرق الأوسط»
TT

وقت التخارج!

استمع إلى المقالة

لا شك أن ثلاث سنوات من الاستحواذ كانت كفيلة بأن يُعيد «صندوق الاستثمارات العامة السعودي» صياغة المشهد الرياضي والإداري للأندية السعودية الكبرى، الهلال والنصر والاتحاد والأهلي.

لقد جاءت هذه الفترة، في تقديري الشخصي، بمثابة عملية إنقاذ تاريخية لهذه الأندية التي ظلت لعقود تعيش فوضى مالية وإدارية وفنية، حيث افتقدت لأبسط معايير الحوكمة والتنظيم. واليوم، أعتقد أن الوقت قد حان لتخارج الصندوق، وتسليم هذه الكيانات إلى مُلاّك جدد، قادرين على البناء على ما تحقق والانطلاق بها إلى آفاق أرحب وأوسع.

في تصوري، لقد نجح «الصندوق السيادي»، في إنجاز مهمة بالغة التعقيد، إذ حوَّل هذه الأندية إلى شركات حقيقية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

شركات ذات هياكل تنظيمية وقوانين داخلية ورؤية تجارية واضحة. لم يعد الهلال أو النصر أو الأهلي أو الاتحاد مجرد أندية تبحث عن فوز عابر، بل تحولت، في رأيي، إلى علامات تجارية ذات قيمة سوقية متنامية مفيدة في مجتمعها، تحقق إيرادات تجارية تتجاوز 1.09 مليار ريال سنوياً، كما في حالة الهلال، و615 مليون ريال في النصر و342 مليون ريال في الأهلي بحسب إعلانات 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

الحقيقة أن الصندوق أرسى في هذه الأندية ثقافة العمل المُحوكم المبني على البيانات الدقيقة وأفضل أساليب الإدارة، حيث أسس لجاناً رياضية على أعلى المعايير العالمية، تعمل وفق تقارير ودراسات فنية دقيقة، مستعيناً بخبرات دولية وتجارب ناجحة في صناعة كرة القدم. وتمت غربلة هذه الكيانات بهيكلة تنظيمية شاملة، رفعت من كفاءة العمل، وطوَّرت إدارات الموارد البشرية، وحدّثت سياسات المزايا والمكافآت لخلق بيئة عمل جاذبة واحترافية، بعد سنوات طويلة من العمل العشوائي الذي كان يهدر المال والجهد.

صحيح أن هناك أخطاء غير مقبولة حدثت في الأندية الكبار خلال السنوات الثلاث الأخيرة ولا تزال، سواء في بعض التعاقدات أو الاختيارات للمديرين التنفيذيين والمدربين واللاعبين أو حتى في طريقة الانتخاب لمجالس الإدارات، لكن الحقيقة التي يجب أن تُقال إن الإيجابيات في «الأندية الكبار» عظيمة جداً، ولا يمكن التوقف عند العثرات التي نراها بالتأكيد تحدث في أندية عملاقة في «البريمرليغ» و«لاليغا» والدوري الإيطالي، ولنا أمثلة في مانشستر يونايتد وبرشلونة ويوفنتوس، حيث أخطاء اختيارات المُلاّك في تعيينات المدربين واستقدام اللاعبين واختيار الإداريين التنفيذيين.

اليوم، وبعد أن باتت هذه الأندية جاهزة للانطلاق، أعتقد أنه لا بد من تحضير خطة لـ«التخارج الذكي»، عبر بيع الحصص المملوكة للصندوق إلى «شركات كبرى» أو أباطرة مال سعوديين أو أجانب معروفين، وفق قوانين صارمة لضمان استدامة النجاح وحماية الأندية من العودة إلى الفوضى.

أعتقد أن التخارج في هذا التوقيت أو حتى في نهاية الموسم المقبل ليس مجرد ضرورة اقتصادية أو إدارية، بل أيضاً خطوة استباقية لضمان مشاركة ناديين أو ثلاثة أو حتى أربعة في كأس العالم للأندية 2029 دون أي ضجيج أو جدل في استقلاليتها كما حدث مع ليون وباتشوكا المكسيكيين في مونديال 2025.

بيع الهلال مثلاً إلى شركة المملكة القابضة أو غيرها، وبيع النصر والأهلي والاتحاد إلى شركات وأباطرة مال معروفين في السوق السعودي والأجنبي، سيشكل في رأيي دفعة قوية للدوري السعودي، وسيجعله أكثر جاذبية للاستثمار الأجنبي والمحلي، كما سيفتح الباب أمام أندية أخرى مثل الشباب والاتفاق والتعاون والرياض وضمك والخلود وغيرها لتجد مُلاّكاً مستقلين يسيرون على خطى الصندوق في الإصلاح الإداري والحوكمة الشاملة.

في تقديري الشخصي، المثال الأبرز على ما يمكن أن يحدث للأندية إذا تُركت دون تخصيص، هو ما جرى في نادي الشباب، الذي تكبَّد خسائر جسيمة، وأبرم عقوداً غير مدروسة تماماً في الاستثمار في عقاراته، دون وجود دراسة جدوى واضحة، ودون حِكمة بالغة من مجلس إدارته في حينها أو وزارة الرياضة أو حتى جمعيته العمومية المُكبلة بنظام هش ومهترئ، مما أدى إلى أضرار مالية وتنظيمية كبيرة للنادي يعيشها حتى الآن.

أتصور أن إنقاذ الأندية الأخرى من مصير مشابه يمر عبر استمرار نموذج النهج الصارم الذي بدأه «الصندوق السيادي»، وذلك حتى لا تتكرر أخطاء الماضي، لتبقى «الأندية كافة» أساساً للنجاح الرياضي والتجاري في آسيا والمنطقة وليس في السعودية فقط.



المزيد من مقالات الرأي