لماذا يبقى الناس في زواجٍ تعيس؟ معالِجة نفسية تشرح الأسباب

يفضّل عدد كبير من الناس البقاء في زواج تعيس على الانفصال عن الشريك (رويترز)
يفضّل عدد كبير من الناس البقاء في زواج تعيس على الانفصال عن الشريك (رويترز)
TT

لماذا يبقى الناس في زواجٍ تعيس؟ معالِجة نفسية تشرح الأسباب

يفضّل عدد كبير من الناس البقاء في زواج تعيس على الانفصال عن الشريك (رويترز)
يفضّل عدد كبير من الناس البقاء في زواج تعيس على الانفصال عن الشريك (رويترز)

«ما عُدنا نتفق على الأفكار والمبادئ والسلوكيات ذاتها... ذهبَت اهتمامات كلٍّ منا في اتجاهٍ مختلف... ثم صار العراك مشهداً يومياً يدور أمام عيون ولدَينا»، هكذا تختصر ليديا في حديثها مع «الشرق الأوسط» التحوّلات التي طرأت على زواجها عبر السنوات. ولكن رغم المعاناة، كان الطريق بين قرار الانفصال وتنفيذه طويلاً وشائكاً، نظراً لأسبابٍ عدة، في طليعتها معاندة الزوج، والتحديات المادية.

«من أجل الأولاد»

تختصر المعالِجة النفسية الدكتورة ريف رومانوس الأسباب التي تدفع الناس للبقاء في زيجات تعيسة في كلمة واحدة، هي «الخوف». ولهذا الخوف أوجهٌ عدّة، أبرزها الأولاد؛ إذ يخشى الأهل من أن يخطئوا بحقّ أبنائهم ومن أن يعرّضوهم لصدمة نفسية في حال الانفصال.

توضح ريف رومانوس لـ«الشرق الأوسط» أنّ «هذا الخوف طبيعي، ولكن يجب أن يتذكر الأهل دائماً أن الأولاد بحاجة إلى رؤية والدَين مرتاحَين وسعيدَين بعضهما مع بعض، لا أن يشهدوا على علاقة غير صحية».

من المؤكّد أن الطلاق يترك آثاراً على الأولاد، ولكن في المقابل لا مناعة تقيهم الترددات السلبية لزواجٍ سامّ وتعيس. وتضيف ريف رومانوس في هذا السياق: «أن تخسر نفسك من أجل أولادك ليس أمراً سيفرحهم. من الأفضل أن يروك سعيداً بمفردك على أن يروك تعيساً في الزواج».

الأولاد هم السبب الأساسي الذي يبقي الناس في زيجاتٍ تعيسة (رويترز)

المال ثم المال

تشير الإحصائيات إلى أن أولئك الذين لديهم كثير من الأموال والأملاك يخسرونها في حال الطلاق، هم أكثر عرضة للبقاء متزوّجين، بغضّ النظر عن مستوى رضاهم عن العلاقة الزوجية.

فحتى وإن حصل الانفصال بأقل الأضرار المعنوية الممكنة، لا يمرّ من دون خسائر مادية. أولاً، الطلاق إجراءٌ مكلف لا تقلّ مصاريفه القانونية عن 10 آلاف دولار في حدّها الأدنى، تُضاف إليها لاحقاً النفقة المخصصة للأولاد. وكلما كان الانفصال صِدامياً بين الشريكَين، كان الثمن باهظاً أكثر. ويشمل ذلك تنازل أحد الزوجَين عن كثير من مدّخراته وحقوقه المادية من أجل الحفاظ على حق الوصاية على الأولاد، أو لمجرّد موافقة الشريك على إتمام الطلاق.

توضح ريف رومانوس أن الخسائر المادية والخوف من فقدان الاستقرار قد يلعبان دوراً محورياً في ردع المرء عن الطلاق: «لكن عندما يشعر الشخص بأنه خسر هويته وما عاد يجد نفسه في هذا الزواج، لا يبقى العنصر المادي رادعاً».

تلعب الأموال والأملاك المشتركة دوراً محورياً في ردع الأزواج عن الانفصال (رويترز)

رعبُ مغادرة دائرة الأمان

«هل سأتأقلم على العيش وحدي؟»، «هل سأعثر على شريك جديد؟»، «أليس من الأفضل أن أبقى هنا؛ حيث اعتدتُ على كل شيء؟»... هذه بعض التساؤلات التي تؤرق الشريك التعيس في زواجه. فبطبيعته يخشى الإنسان من المجهول، ويفضّل البقاء ضمن دائرة المألوف، حتى وإن كان هذا المألوف مؤلماً ومتعباً.

الزواج -على تعاسته في بعض الأحيان- هو أشبَه بمنطقة الأمان التي يصعب الخروج منها خشية مما سيَليها.

وقد أشار بحثٌ أجرته «الجمعية الأميركية للطب النفسي» إلى أن الخوف من الوحدة ومن فقدان الأمان، هو في طليعة الأسباب التي تجعل الناس يبقون في زيجاتهم التعيسة. وأضاف البحث أن «تَجاهُل المشكلات التي تشوب العلاقة، أسهل من الجرأة على التغيير ومواجهة المجهول الذي قد يحمله المستقبل».

وتحذّر الجمعية من إخفاء المشاعر الحقيقية حيال الشريك والزواج، تحت قناعٍ من السعادة المزيّفة؛ لأن تَجاهل مواجهة تلك المشاعر يُبقي المرء عالقاً في دوّامة من التعاسة.

إخفاء المشاعر الحقيقية تحت قناع من السعادة المزيفة يبقي المرء عالقاً في دوّامة من التعاسة (رويترز)

«كلام الناس»

رغم أنه خرج من دائرة المحرّمات منذ سنوات، فإن البعض ما زال ينظر إلى الطلاق على أنه فشلٌ وهزيمة. وفق ريف رومانوس فإنّ معظم مَن هم غير سعداء في زيجاتهم يترددون في اتخاذ قرار الانفصال، خشيةً من أحكام الناس عليهم، ومن مواجهة الأهل والأصدقاء بالموضوع.

يبدو البقاء خلف جدران البيت الجميل الذي بنياه معاً، والحفاظ على مظاهر حياتهما التي يظنها الآخرون مثالية، أسهل من الإقرار بأنّ الزواج تحوّل إلى معاناة. بذلك، يتفادى الأزواج خجل الظهور كفاشلين في عيون أهلهم والمجتمع.

ندوب الطفولة

يحمل الشريك إلى زواجه كل ما نشأ عليه خلال الطفولة. غالباً ما يصمت عمّا يضايقه، كالتعنيف أو المعاملة السيئة أو الخيانة؛ لأنه تربّى على أنّ الشكوى والتعبير عن المشاعر نوعٌ من الضعف. يُخفي حزنه واستياءه مقابل إرضاء الآخر، والحصول على سلامٍ وسكينة ظاهريين ومؤقتَين.

في هذه الشرنقة من السلوكيات النفسية غير الصحية، يصبح من الصعب التحرر مما يكبّله. ينعكس الخجل والشعور بالذنب اللذَين تكيّف معهما طفلاً على علاقته بالشريك، فيحمّل نفسه المسؤولية قائلاً: «يجب أن أبذل مجهوداً أكبر في العلاقة»، أو: «ليس الأمر بهذا السوء»، حتى وإن كان صوته الداخلي يصرخ بعكس ذلك.

وقد بيّنت دراسة نُشرت عام 2018 في «Journal of Personality and Social Psychology» (مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي)، أنه غالباً ما يبقى الناس في زيجات تعيسة إرضاءً لشريكهم، غير آخذين في الاعتبار مصلحتهم الشخصية.

غالباً ما يبقى الناس في زيجات تعيسة إرضاءً لشريكهم غير آخذين في الاعتبار مصلحتهم الشخصية (رويترز)

على أملٍ مؤجّل

غالباً ما يؤجّل الأزواج الخروج من دائرة التعاسة على أمل أن تترمم العلاقة أو أن يتبدّل سلوك الشريك. وفق الدكتورة ريف رومانوس، فإنّ هذا الأمل المؤجّل يخبّئ في طيّاته استسلاماً: «غضّ الطرف عن بعض المساوئ أمر جيّد، ولكن إذا انسحب على كل جوانب العلاقة فهذا يعني الاستسلام لحياة غير سعيدة لمجرّد البقاء معاً»، كما تقول المعالجة النفسية.

أمام زواجٍ مسدود الأفق، يمكن اللجوء إلى معالج نفسي أو مستشار زواج أو رجل دين، لأخذ المشورة ومحاولة إصلاح ما تصدّع، ولكن «عامل الوقت ومرور السنوات يلعب ضد ترميم زواجٍ متهالك؛ خصوصاً إذا كان التواصل صعباً والقيَم والاهتمامات مختلفة بين الزوجَين»، وفق ريف رومانوس.

أما كيف نعرف أنّ الأمل بالعلاقة الزوجية قد فُقد تماماً، وأنّ فترة الحِداد عليها قد انتهت، فعندما نحدّث أنفسنا قائلين: «لا رغبة لدي في العودة إلى المنزل»، أو: «لا أمانع في أن يجد شريكي الحالي شخصاً يحبه ويعيد بناء حياته معه».


مقالات ذات صلة

كيف أطاح «الطلاق الرمادي» بنظريّة «حتى يفرّقنا الموت»

يوميات الشرق يطال الطلاق الرمادي الأزواج الذين تخطّوا سن الـ50 (بكسلز) play-circle 01:20

كيف أطاح «الطلاق الرمادي» بنظريّة «حتى يفرّقنا الموت»

ما عاد الزواج والطلاق حكراً على الفئات العمرية الشابة، فهما منذ مدة اصطبغا بالرمادي، أي أنهما صارا يشملان المتقدّمين في السن.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق الأمير البريطاني ويليام وزوجته كيت ميدلتون (رويترز)

الأمير ويليام يحاول تجنب ارتكاب نفس «أخطاء» الزواج مثل والديه

يُطبّق الأمير البريطاني ويليام ما تعلمه من زواج والديه الفاشل في علاقته بزوجته كيت ميدلتون.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق كلب وقطة يجلسان جنباً إلى جنب (رويترز)

زوجان هنديان يتطلقان بسبب «عدم توافق حيواناتهما الأليفة»

تنظر محكمة الأسرة في مدينة بوبال بوسط الهند في قضية خلاف زوجيّ غير مألوفة، حيث يسعى شخصان إلى الطلاق لأن كلبه وقطتها لا يتوافقان.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
يوميات الشرق الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما (د.ب.أ)

بعد شائعات طلاقه... أوباما يتحدث عن تحديات زواجه

تحدث الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما بصراحة عن التحديات التي واجهها هو وزوجته ميشيل أوباما طوال فترة زواجهما.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الفيلم الأميركي البريطاني The Roses تجربة سينمائية خارجة عن المألوف (الشركة المنتجة Searchlight Pictures)

لعائلة Roses من اسمِها نصيب... فيلم بوَردٍ كثير وشَوكٍ أكثر

مواقف غير متوقعة بين زوجَين كانا متحابّين، وانقلبت حياتهما إلى تحطيم متبادل بين ليلة وضحاها. عن الزواج بوروده وأشواكه يتحدث فيلم The Roses.

كريستين حبيب (بيروت)

مصر: الكشف عن ورش أثرية لتجهيز السمك المملح وجبّانة رومانية في البحيرة

منحوتات من العصر البطلمي في الجبانة الأثرية (وزارة السياحة والآثار)
منحوتات من العصر البطلمي في الجبانة الأثرية (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر: الكشف عن ورش أثرية لتجهيز السمك المملح وجبّانة رومانية في البحيرة

منحوتات من العصر البطلمي في الجبانة الأثرية (وزارة السياحة والآثار)
منحوتات من العصر البطلمي في الجبانة الأثرية (وزارة السياحة والآثار)

أعلنت البعثة الأثرية المصرية الإيطالية المشتركة، بين المجلس الأعلى للآثار وجامعة بادوفا الإيطالية، الثلاثاء، اكتشاف عدد من الورش الصناعية التي ترجع إلى العصر المتأخر وبدايات العصر البطلمي، إلى جانب الكشف عن جزء من جبانة رومانية تضم أنماطاً متنوعة من الدفن، أثناء أعمالها بموقعي كوم الأحمر وكوم وسيط بمحافظة البحيرة (غرب الدلتا).

ويساهم هذا الكشف في تعميق فهم طبيعة الحياة والنشاط البشري في مناطق غرب دلتا النيل والمناطق الداخلية المحيطة بمدينة الإسكندرية، وفق الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار الدكتور محمد إسماعيل خالد، موضحاً في بيان للوزارة، الثلاثاء، أن «هذه الاكتشافات تمثل إضافة علمية مهمة لدراسة أنماط الاستيطان والممارسات الجنائزية والأنشطة الصناعية في غرب الدلتا، كما تسهم في تقديم رؤى جديدة حول شبكات التواصل الإقليمي منذ العصر المتأخر وحتى العصرين الروماني والإسلامي المبكر».

وتتكون الورش الصناعية المكتشفة من مبنى كبير مقسّم إلى ما لا يقل عن ست غرف، خُصصت اثنتان منها لمعالجة الأسماك، حسب تصريحات رئيس قطاع الآثار المصرية، محمد عبد البديع، حيث عثرت البعثة على نحو 9700 عظمة سمك، بما يشير إلى وجود نشاط واسع لصناعة السمك المملح في تلك الفترة.

الكشف عن جبانة رومانية بمصر (وزارة السياحة والآثار)

ويرجح تخصيص الغرف الأخرى لإنتاج الأدوات المعدنية والصخرية، وتمائم الفيانس، إذ عُثر على عدد من التماثيل الجيرية غير المكتملة، إلى جانب قطع أخرى في مراحل تصنيع مختلفة.

وأسفر الكشف أيضاً عن العثور على جرار أمفورا مستوردة وقطع من الفخار اليوناني، الأمر الذي يؤرخ نشاط هذه الورش إلى القرن الخامس قبل الميلاد.

وأسفرت أعمال الحفائر كذلك عن اكتشاف جزء من جبانة رومانية تضم عدة دفنات بثلاثة أنماط رئيسية، شملت الدفن المباشر في الأرض، والدفن داخل توابيت فخارية، بالإضافة إلى دفنات أطفال داخل أمفورات كبيرة، وفق بيان الوزارة.

فيما أوضحت رئيسة البعثة من جامعة بادوفا الإيطالية، الدكتورة كريستينا موندين، أن فريق العمل يجري حالياً عدداً من الدراسات البيو - أثرية على الهياكل العظمية المكتشفة، بهدف تحديد النظام الغذائي، والعمر، والجنس، والحالة الصحية للمدفونين بالموقع، والبالغ عددهم 23 شخصاً من الذكور والإناث والأطفال والمراهقين والبالغين.

وأشارت إلى أن النتائج الأولية لهذه الدراسات تشير إلى أن هؤلاء الأفراد عاشوا في ظروف معيشية جيدة نسبياً، دون وجود دلائل واضحة على إصابتهم بأمراض خطيرة أو تعرضهم لأعمال عنف.

وعدّ عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، هذه الاكتشافات، تمثل إضافة نوعية لفهم تاريخ غرب الدلتا خلال العصر الروماني، إذ تكشف بوضوح عن تداخل الحياة الاقتصادية مع الممارسات الاجتماعية والدينية في تلك المنطقة، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «ورش تجهيز السمك المملح تعكس نشاطاً صناعياً منظماً يعتمد على استغلال الموارد الطبيعية، ما يدل على أهمية غرب الدلتا بوصفها مركزَ إنتاجٍ غذائي وتجاري مرتبط بشبكات أوسع داخل مصر وخارجها».

من القطع المكتشفة في الجبانة (وزارة السياحة والآثار)

كما رأى عبد البصير أن «الكشف عن الجبانة الرومانية يقدّم مادة علمية ثرية لدراسة المعتقدات الجنائزية والبنية الاجتماعية للسكان، من خلال تنوع طقوس الدفن واللقى المصاحبة».

ونجحت البعثة في الكشف عن عشرات الأمفورات الكاملة (جرار خزفية)، بالإضافة إلى زوج من الأقراط الذهبية يعود لفتاة شابة، وقد نُقلت هذه القطع الأثرية إلى المتحف المصري في القاهرة، تمهيداً لإجراء أعمال الدراسة والترميم اللازمة لها، وفق بيان الوزارة.

وقال الخبير الآثاري والمتخصص في علم المصريات، أحمد عامر، إن «هذا الاكتشاف الأثري في غرب الدلتا يفتح آفاقاً جديدة لفهم فترة حكم العصور المتأخرة وما تلاها من حقب تعاقبت على الحضارة المصرية القديمة، بل وتعيد قراءة التاريخ المصري القديم من منظور جديد».

من القطع الأثرية المكتشفة (وزارة السياحة والآثار)

ويضيف لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا الكشف سوف يضيف لنا علمياً كثيراً عن تلك الحقبة، كما أنه معروف أن الأمفورات كانت تستخدم في عمليات التجارة الخارجية، وكان يوضع بها النبيذ، وأحياناً في نقل السمك المملح، وهذه ليست المرة الأولى في العثور على الأمفورات، حيث كانت متداولة في التجارة الخارجية للدولة المصرية مع اليونان في فترات كثيرة».


للمرة الأولى عالمياً... نحل الأمازون يحصل على حقوق قانونية

مدينتان في بيرو تمنحان النحل غير اللاسع حقوقاً قانونية (ميريان ديلغادو)
مدينتان في بيرو تمنحان النحل غير اللاسع حقوقاً قانونية (ميريان ديلغادو)
TT

للمرة الأولى عالمياً... نحل الأمازون يحصل على حقوق قانونية

مدينتان في بيرو تمنحان النحل غير اللاسع حقوقاً قانونية (ميريان ديلغادو)
مدينتان في بيرو تمنحان النحل غير اللاسع حقوقاً قانونية (ميريان ديلغادو)

يواجه أحد أقدم أنواع النحل على كوكب الأرض، والمُلقِّح الأساس في غابات الأمازون، تهديدات متزايدة نتيجة إزالة الغابات، والتغيرات المناخية، وتلوث المبيدات، والمنافسة من نحل العسل الأوروبي العدواني.

في خطوة تاريخية، أصبح نحل الأمازون غير اللاسع، أي الذي لا يلسع على عكس نحل العسل الأوروبي «النحل العدواني»، أول الحشرات في العالم التي تُمنح حقوقاً قانونية، تشمل الحق في الوجود، والازدهار، والحماية القانونية في حال التعرض للأذى.

وقد أُقرّت هذه القوانين في بلديتين في بيرو هما: ساتيبو وناوتا، بعد سنوات من البحث وجهود الضغط التي قادتها روزا فاسكيز إسبينوزا، مؤسسة منظمة «أمازون ريسيرتش إنترناشيونال».

يُربي السكان الأصليون هذا النوع من النحل منذ عصور ما قبل كولومبوس، ويُعد مُلقحاً رئيسياً يساهم في الحفاظ على التنوع البيولوجي وصحة النظم البيئية، إذ يلقح أكثر من 80 في المائة من النباتات، بما في ذلك محاصيل الكاكاو، والقهوة، والأفوكادو. وأظهرت أبحاث إسبينوزا، التي بدأت عام 2020، أن عسل هذا النحل يحتوي على مئات المركبات الطبية المضادة للالتهاب والفيروسات والبكتيريا، كما وثقت المعرفة التقليدية في تربيته وجني عسله.

أفاد السكان الأصليون بتراجع أعداد النحل وصعوبة العثور على الأعشاش، كما كشف التحليل الكيميائي للعسل عن آثار المبيدات حتى في المناطق النائية. وأظهرت الدراسات صلة بين إزالة الغابات وتراجع أعداد النحل، بالإضافة إلى المنافسة المتزايدة من نحل العسل الأفريقي المهجن، الذي بدأ في إزاحة النحل غير اللاسع من موائله الطبيعية منذ القرن الـ20.

وفقاً لكونستانزا برييتو، مديرة قسم شؤون أميركا اللاتينية في «مركز قانون الأرض»، تمثل هذه القوانين نقطة تحوُّل في علاقة البشر بالطبيعة، إذ تعترف بالنحل غير اللاسع بوصفه من الكائنات الحاملة للحقوق وتؤكد أهميته البيئية.

وأوضح زعيم السكان الأصليين آبو سيزار راموس أن القانون يحتفي بالمعرفة التقليدية ويعترف بالدور الحيوي للنحل غير اللاسع في دعم نُظم الأمازون البيئية وثقافات الشعوب الأصلية.

تتطلب هذه القوانين، حسبما ذكرت «الغارديان» البريطانية، استعادة المَواطن البيئية، وتنظيم استخدام المبيدات، واتخاذ تدابير للحد من آثار تغيُّر المناخ، وقد اجتذبت عريضة عالمية مئات الآلاف من التوقيعات، في حين أبدت دول أخرى اهتماماً بتطبيق نموذج بيرو لحماية المُلقِّحات المحلية.


«قصر القطن» بالإسكندرية... لتوديع الظلام واستقبال السائحين

المبنى يطل على البحر مباشرة في منطقة المنشية بالإسكندرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
المبنى يطل على البحر مباشرة في منطقة المنشية بالإسكندرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

«قصر القطن» بالإسكندرية... لتوديع الظلام واستقبال السائحين

المبنى يطل على البحر مباشرة في منطقة المنشية بالإسكندرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
المبنى يطل على البحر مباشرة في منطقة المنشية بالإسكندرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

يشكل إعلان الحكومة المصرية على لسان وزير قطاع الأعمال العام المصري المهندس محمد شيمي، عن سعيها للاستحواذ على مبنى قصر القطن في مدينة الإسكندرية المجاور للنصب التذكاري للجندي المجهول طاقة نور لإخراج المبنى من حالة الجمود واستغلاله سياحياً بعد تحويله إلى فندق.

ويعود المبنى لفترة الثمانينات، وأقيم مكان قصر القطن التاريخي زمن السادات، ويعدُّ أكبر منشأة في منطقة المنشية تطل على البحر مباشرة وسط مدينة الإسكندرية، ويتميز «قصر القطن» بطرازه المعماري ما جعله فريداً بين المنشآت والبنايات الموجودة في المنطقة من حيث الارتفاع والضخامة والعناصر الهندسية والمعمارية.

وقال الفنان فتحي بركات، رئيس جمعية الفنانين والكتاب «أتيليه الإسكندرية»، إن مبنى «قصر القطن» كان في البداية مملوكاً لشركة الأقطان الشرقية بالإسكندرية، وكانت هناك محاولة لأن يكون أعلى مبنى في المدينة ليتشكل من 45 طابقاً، لكن لم يتم الموافقة على مخطط بنائه، واقتصر على 22 طابقاً فقط، ومنذ إنشائه زمن السادات في موقع قصر القطن التاريخي لم يُستغل بشكل مثالي. «والآن تشغل جزءاً منه جامعة سنجور الفرنسية، بالإضافة إلى طابقين حكوميين، لكن تظل باقي الأدوار بلا أي نوع من الإشغال، وفق كلام بركات الذي أضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «المبنى محاط بمنطقة مزدحمة بالبائعين، منطقة المنشية، ويجاور النصب التذكاري للجندي المجهول وإعادة الحياة له ربما يعيد الهدوء مرة أخرى للمكان، ويضفي طابعاً مختلفاً لها يعيدها للزمن الجميل، وهو يمتلك إمكانات تؤهله للاستغلال الفندقي، حيث يتضمن جراجاً في الدور الأرضي، بالإضافة لإجراء الكثير من التغييرات الداخلية لاستغلال مكوناته، أما عن شكله الخارجي فلا توجد هناك مساحة لأي تغييرات، لأن واجهته زجاجية، ولا يمكن تغييرها».

المبنى المراد تحويله إلى فندق (تصوير: عبد الفتاح فرج)

كان المهندس محمد شيمي، وزير قطاع الأعمال العام، قال خلال لقائه عدداً من الصحافيين بمقر الوزارة بالعاصمة الإدارية الجديدة، الثلاثاء، إن الحكومة المصرية تعمل حالياً على خطة تهدف إلى إعادة إحياء الأصول التاريخية وتعظيم الاستفادة منها، من بينها أحد القصور الأثرية المميزة بمدينة الإسكندرية، وهو «قصر القطن» الواقع بجوار النصب التذكاري، مشيراً إلى أنه من المستهدف تطوير القصر وإعادة تشغيله فندقاً سياحياً متميزاً.

وأضاف شيمي أن المشروع المقترح يتضمن إنشاء فندق بارتفاع 22 طابقاً، يسهم في دعم الطاقة الفندقية بالإسكندرية وتعزيز المنتج السياحي، والحفاظ على الطابع التراثي وتحقيق عوائد اقتصادية مستدامة، ولتحقيق ذلك أجرت الوزارة دراسة استغلال المبنى بوضع تصور شامل لتحقيق الاستغلال الأمثل له، وتحويله إلى مركز استثماري متعدد الاستخدامات الفندقية والإدارية والتجارية، وتسهم في تعظيم العائد منه، وتنشيط ودعم الحركة السياحية والتجارية في الإسكندرية وتوفير فرص عمل إضافية.

من جهته قال الباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان إن «اتجاه مصر لتطوير واستغلال قصر القطن وتحويله إلى فندق سياحي، سيُعيد صياغة المكان، عبر إزالة الكثير من الساحات التي تشوه المنطقة، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المنطقة صارت مزدحمة جداً، فضلاً عن عشوائيتها، لذا سيكون مشروع الفندق بمثابة رئة تعيد ساحة النصب التذكاري ومنطقة المنشية لسماتها السياحية والتراثية التي فقدتها منذ سنين».