واشنطن: فرصة أخيرة لطهران قبل استخدام القوة العسكرية

«أكسيوس»: بايدن ناقش خططاً لضرب المواقع النووية الإيرانية

TT

واشنطن: فرصة أخيرة لطهران قبل استخدام القوة العسكرية

منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أرشيفية - أ.ف.ب)
منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أرشيفية - أ.ف.ب)

في تزامن لافت بتوقيته، نشرت تسريبات وكتابات تحدثت عن مناقشات جرت في البيت الأبيض حول خيارات لهجوم محتمل على المنشآت النووية الإيرانية إذا تحركت طهران نحو إنتاج سلاح نووي قبل 20 يناير (كانون الثاني)، موعد تسلم الرئيس المنتخب دونالد ترمب مقاليد الرئاسة.

وفيما نقل موقع «أكسيوس»، الخميس، عن مسؤولين أميركيين قولهم إن مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، جيك سوليفان، قدم للرئيس بايدن في اجتماع عقد قبل عدة أسابيع، وظل سرياً حتى الآن، خيارات وسيناريوهات مختلفة لتوجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية، كتب ريتشارد نيفيو، الذي شغل منصب نائب المبعوث الخاص لإيران خلال إدارة بايدن، مقالة مطولة في مجلة «فورين أفيرز» بعنوان «فرصة أخيرة لإيران... على أميركا أن تعطي الدبلوماسية فرصة أخيرة... بينما تستعد لاستخدام القوة العسكرية».

الرئيس الأميركي بايدن في البيت الأبيض يتحدث للصحافيين الخميس (د.ب.أ)

فرصة لواشنطن

وقال «أكسيوس» إنه على الرغم من أن اجتماع البيت الأبيض لم يكن مدفوعاً بمعلومات استخباراتية جديدة، أو كان من المتوقع أن ينتهي بقرار بنعم أو لا من الرئيس بايدن، لكنه كان جزءاً من مناقشة حول «التخطيط الحكيم للسيناريو» حول كيفية استجابة الولايات المتحدة إذا اتخذت إيران خطوات مثل تخصيب اليورانيوم إلى نقاء 90 في المائة قبل 20 يناير. وقال مسؤول آخر إنه لا توجد حالياً مناقشات نشطة داخل البيت الأبيض حول عمل عسكري محتمل ضد المنشآت النووية الإيرانية. لكن بعض كبار مساعدي بايدن قالوا إن احتمال تسريع البرنامج النووي الإيراني، بعد إضعاف إيران ووكلائها في حربهم مع إسرائيل، يمنح بايدن فرصة وضرورة لتوجيه ضربة في حال قامت إيران بتسريع تخصيب اليورانيوم.

المرشد الإيراني علي خامنئي خلال لقاء مع قدامى المحاربين الذين شاركوا في الحرب العراقية - الإيرانية (أرشيفية - إ.ب.أ)

ويعتقد بعض مساعدي بايدن، بمن في ذلك سوليفان، أن تدهور الدفاعات الجوية الإيرانية وقدرات الصواريخ، إلى جانب الضعف الكبير لوكلاء إيران الإقليميين، من شأنه أن يحسن فرص نجاح الضربة ويقلل من خطر الانتقام الإيراني والتصعيد الإقليمي. وقال مسؤول أميركي إن سوليفان لم يقدم أي توصية لبايدن بشأن هذه القضية، لكنه ناقش فقط الخطط، فيما بايدن لم يعط الضوء الأخضر للضربة خلال الاجتماع، ولم يفعل ذلك منذ ذلك الحين.

فريق ترمب مطلع

وقال سوليفان، الشهر الماضي، إن إدارة بايدن أطلعت فريق الرئيس المنتخب ترمب على الصورة الاستخباراتية المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني. وقال: «قد يختارون مساراً مختلفاً واستراتيجية مختلفة، ولكنني أريد التأكد من أننا نبدأ من قاعدة مشتركة لما نواجهه فيما يتصل بالتهديد الذي يشكله البرنامج النووي الإيراني».

المفاعل النووي الإيراني وأعمدة الكهرباء في بوشهر بجنوب العاصمة طهران (أرشيفية - أ.ب)

وفيما عدّ هذا التسريب رسالة صارمة من واشنطن لطهران، موجهة بشكل خاص للتيار المتشدد الذي يتصدر المشهد داخل التيارات المتصارعة في إيران، ويصر على المواجهة بما فيها تغيير العقيدة النووية الإيرانية، قال ماثيو ليفيت، كبير الباحثين في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، إن إدارة بايدن كانت قلقة من أن طهران قد ترى فرصة للانطلاق في مجال الأسلحة النووية في الأيام القليلة الأخيرة من فترة إدارته، قبل تولي ترمب الرئاسة.

وقال ليفيت لـ«الشرق الأوسط» إنه بناء على تلك المخاوف، فقد أعدت إدارة بايدن خطة طوارئ لمثل هذا الاحتمال.

الجيش الأميركي مستعد

يقول ريتشارد نيفيو، نائب المبعوث الخاص لإيران خلال إدارة بايدن، إنه على الرغم من وجود أمل في أن تتمكن طهران وواشنطن من التوصل إلى نوع من الاتفاق، لكن إذا سعت الولايات المتحدة إلى اتباع نهج «الضغط الأقصى» لإضعاف إيران لإجراء محادثات لاحقة، فقد ترد إيران بإخفاء موادها النووية، أو بناء قنبلة، أو الانسحاب من معاهدة منع الانتشار النووي، أو كل هذه الأمور الثلاثة. وإذا فشلت محاولات التوصل إلى اتفاق، فلا بد أن تكون الولايات المتحدة على استعداد لاستخدام جيشها.

رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية محمد إسلامي يقدم شرحاً لنائب الرئيس محمد رضا عارف حول عمل أجهزة الطرد المركزي الأسبوع الماضي (الذرية الإيرانية)

فوائد استراتيجية

ويرى نيفيو أن مهاجمة البرنامج النووي الإيراني من شأنه أن يأتي بفوائد استراتيجية تتجاوز مجرد منع خصم خطير من امتلاك السلاح النووي. فالضربات، على سبيل المثال، من شأنها أن تزيد من استنزاف موارد طهران المحدودة بالفعل. وسوف تكافح البلاد، إذا تراجعت مرة أخرى، أكثر من أي وقت مضى لتهديد المصالح الأميركية. وسوف تضطر إلى الموازنة في الوقت نفسه بين استعادة برنامجها النووي، وإعادة بناء «حزب الله»، وإعادة تخزين قوتها الصاروخية، وإدارة مشاكلها الاقتصادية الشاملة، كل هذا في حين لا تزال تحت العقوبات.

كما أن إضعاف إيران من شأنه أن يعود بفوائد على الشرق الأوسط، وقد يرى الإيرانيون العاديون في الضربات فرصة للضغط على النظام لتغييره. ولا يبدو أن هجوم إسرائيل على إيران في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، قد أدى إلى حشد التأييد للنظام، مما يشير إلى أن الهجوم الأميركي قد لا يكون كذلك أيضاً.

عرض عدد من أجهزة الطرد المركزي في طهران خلال اليوم الوطني للطاقة النووية الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

وجود أميركي طويل الأمد

ومع احتمال أن تفشل ضربة واحدة في إضعاف برنامج إيران النووي، يرجح نيفيو أن يتطلب مثل هذا الإنجاز أكثر من جولة واحدة من الضربات، ووجوداً عسكرياً أميركياً طويل الأمد، واستعداد الولايات المتحدة لتوسيع نطاق هجماتها إلى ما هو أبعد من المنشآت النووية لاستهداف صناع القرار في إيران. وعلى هذا النحو، فمن المرجح أن تحتاج الولايات المتحدة إلى شن ضربات تركز على أصول النظام أو قوات الأمن، حتى لو أدت إلى عدم الاستقرار الداخلي، وينبغي لها أن تفكر الآن في كيفية تصميم هذه الضربات للحد من العواقب السلبية المترتبة على عدم الاستقرار هذا.

استعادة صدقية أميركا

وقد تساعد مهاجمة البرنامج النووي الإيراني في تعزيز مصداقية الولايات المتحدة، ويقول نيفيو إنه على مدى العقدين الماضيين، نشأت شكوك في العالم حول التزام واشنطن بمعالجة التهديدات، وهو خطأ مشترك وقع به الحزبان الديمقراطي والجمهوري. فقد رسمت إدارة أوباما خطاً أحمر عند استخدام الرئيس السوري السابق بشار الأسد للأسلحة الكيميائية ثم رفضت فرضه. ولم يستجب ترمب للهجمات الإيرانية العديدة على القوات الأميركية والبنية الأساسية للطاقة لحلفاء الولايات المتحدة، على الرغم من تعهداته بالتحرك. وإذا رأت الحكومة الأميركية الآن أن إيران تتجه إلى امتلاك الأسلحة النووية، على الرغم من الوعود المتكررة بعدم السماح لها بذلك، فإن الدول المنافسة سوف تطرح المزيد من الأسئلة حول متانة الالتزامات الأميركية، مما يعرض أصدقاء واشنطن وحلفاءها لمخاطر جسيمة. ومن المؤكد أن ضرب إيران ليس السبيل الوحيد (أو ربما الأفضل) لتعزيز تصورات القوة الأميركية. ولكن من الممكن أن يلعب دوراً في هذا.


مقالات ذات صلة

أميركا: مقتل جندي بقوات التحالف في ضربات استهدفت «داعش» في العراق

المشرق العربي جنود من «التحالف الدولي» (أرشيفية - رويترز)

أميركا: مقتل جندي بقوات التحالف في ضربات استهدفت «داعش» في العراق

قال الجيش الأميركي اليوم الاثنين إن جندياً غير أميركي في قوات التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» لقي حتفه الأسبوع الماضي

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي من أمام المقر الرئيسي للبنك المركزي السوري بينما يتحرك الناس لصرف الدولار الأميركي بأسعار أقل من السوق السوداء... دمشق 30 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

رخصة أميركية لسوريا تتيح معاملات مع مؤسسات حكومية

أصدرت الخزانة الأميركية، اليوم (الاثنين)، رخصة عامة لسوريا تسمح لها بإجراء معاملات مع مؤسسات حكومية وكذلك بعض معاملات الطاقة والتحويلات المالية الشخصية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ جلسة الكونغرس الأميركي للتصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية (أ.ف.ب)

الكونغرس الأميركي يُصادق على فوز ترمب بالانتخابات الرئاسية

صادق الكونغرس الأميركي، اليوم الاثنين، على فوز الجمهوري دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية ليصبح الرئيس السابع والأربعين للبلاد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي مخبز في سوريا (د.ب.أ)

وزير سوري: دمشق عاجزة عن استيراد القمح والوقود بسبب العقوبات الأميركية

قال وزير التجارة السوري الجديد إن دمشق غير قادرة على إبرام صفقات لاستيراد الوقود أو القمح أو البضائع الرئيسية الأخرى بسبب العقوبات الأميركية الصارمة

«الشرق الأوسط» (دمشق)
الولايات المتحدة​ تظهر نظارات «ميتا» الذكية المحدثة في المقر الرئيسي للشركة في مينلو بارك بكاليفورنيا في الولايات المتحدة 27 سبتمبر 2023 (رويترز)

ما نظارات «ميتا» التي استخدمها مهاجم نيو أورليانز للاستكشاف قبل عمله الإرهابي؟

نظارات «ميتا» هي أجهزة بها كاميرا مدمجة ومكبرات صوت وذكاء اصطناعي، يمكن التحكم فيها بصوتك وبأزرار، والتحكّم بها كذلك ببعض الإيماءات.

«الشرق الأوسط» (نيو أورليانز (الولايات المتحدة))

ماكرون يرسم خطوطاً حمراء للتعاون مع دمشق

الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
TT

ماكرون يرسم خطوطاً حمراء للتعاون مع دمشق

الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)

احتلت ملفات الشرق الأوسط حيزاً واسعاً في الكلمة التي ألقاها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ظهر الاثنين، في قصر الإليزيه، بحضور سفراء فرنسا عبر العالم وكبار المسؤولين المدنيين والعسكريين. وبالنظر للتطورات الجارية في سوريا، فقد حرص ماكرون على إبراز موقف واضح، مشدداً على أن بلاده «لم تصدق أبداً أن الديكتاتور (في إشارة إلى بشار الأسد) يمكن إعادة تأهيله».

إلا أنه في الوقت عينه، دعا إلى التزام الحذر «من خلال النظر إلى تغيير النظام في سوريا من دون سذاجة». وما حرص عليه ماكرون يكمن في رسم ما يمكن تسميته «خريطة طريق» لكيفية التعامل مع السلطات الجديدة في دمشق، وما تتوقعه باريس والعواصم الأوروبية الأخرى، من السلطة الجديدة، مع التذكير بالزيارة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، ونظيرته الألمانية أنالينا بايربوك مؤخراً إلى دمشق.

الأكراد «الحلفاء الأوفياء»

قوات من «قسد» في تدريب مشترك مع القوات الأميركية شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)

وفيما تتصاعد المعارك في الشمال السوري بين قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، والقوات الحليفة لتركيا، حرص ماكرون على التأكيد بقوة على موقف بلاده من الأكراد الذين وصفهم بـ«الحلفاء الأوفياء» في محاربة تنظيم «داعش»، ملمحاً إلى أن بعض الدول كانت مستعدة للتخلي عنهم، في تلميح للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الذي كان مستعداً في عام 2018 لسحب القوات الأميركية لتسهيل سيطرة تركيا على المنطقة.

وقال ماكرون: «نحن نعي الدين الذي ندين به لمجمل (القوات الديمقراطية السورية) وللمقاتلين من أجل الحرية مثل الأكراد، الذين تحلوا بالشجاعة في محاربة المجموعات الإرهابية». وأضاف أن بلاده «لم تتخل عنهم أبداً، ولن نتخلى عنهم في المسار الجديد، ونحن متيقظون لعملية الانتقال السياسي» الجارية حالياً في سوريا.

وتابع: «ما تريده فرنسا هو قيام سوريا ذات سيادة وحرة وتحترم تعدديتها الإثنية والسياسية والطائفية». وشدد ماكرون على أهمية أن تضم العملية الانتقالية الديمقراطية «كل مكونات المعارضة» للنظام السابق، بالتوازي مع «توفير الأمن للاجئين للعودة إلى بلادهم ومواصلة محاربة الإرهاب بشكل واضح، وتدمير كل البنى المنتجة للسلاح الكيماوي وشبكات إنتاج وتهريب المخدرات».

ويرى ماكرون، في إشارة على الأرجح للبنان، أنه «يتعين على سوريا أن تشارك في ضمان الأمن والاستقرار الإقليميين»، مذكراً بـ«مؤتمر بغداد» في نسخته الثالثة التي ستعقد في الربيع القادم، دون أن يحدد مكان انعقادها، لعرض تنفيذ مشاريع إقليمية «لمصلحة الجميع ولتحقيق السلام والأمن».

وسبق لوزير الخارجية الفرنسي أن شدد، في حديث صحافي، الأحد، على ضرورة ألا تستغل أي قوة أجنبية سقوط حكم نظام الأسد لإضعاف سوريا، مشيراً إلى أن سوريا «تحتاج بطبيعة الحال إلى مساعدة، لكن من الضروري ألا تأتي قوة أجنبية، كما فعلت لفترة طويلة روسيا وإيران، تحت ذريعة دعم السلطات أو دعم سوريا... وتُضعفها بشكل إضافي».

وبحسب جان نويل بارو، فإن «مستقبل سوريا يعود إلى السوريين. وانطلاقاً من وجهة النظر هذه، فإن هدف السيادة الذي أظهرته السلطة الانتقالية وممثلو المجتمع المدني و(أفراد المجتمعات) الذين التقيناها كذلك هو أمر سليم». وكان بارو يلمح للدور المتعاظم الذي لعبته وتلعبه تركيا في العملية الانتقالية الجارية حالياً.

الدور الإيراني

قاآني يستقبل الرئيس مسعود بزشكيان خلال مراسم ذكرى قاسم سليماني في طهران الخميس الماضي (الرئاسة الإيرانية)

بيد أن أشد العبارات استخدمها ماكرون في الحديث عن إيران التي اعتبرها «التحدي الأمني والاستراتيجي الرئيسي» في الشرق الأوسط. وجاء في حرفية كلام ماكرون أن إيران «تشكل التحدي الاستراتيجي والأمني الرئيسي لفرنسا والأوروبيين والمنطقة بكاملها، وأبعد من ذلك بكثير»، محذراً من أن «تسارع برنامجها النووي يقودنا إلى حافة القطيعة».

وما يعنيه الرئيس الفرنسي أن طهران اقتربت كثيراً من الحصول السلاح النووي. واللافت أن ماكرون يعد أحد القادة الغربيين القلائل الذين يحافظون على خط تواصل دائم مع القيادة الإيرانية. لكن يبدو أن قرب عودة ترمب إلى البيت الأبيض يجعل الأوروبيين ومنهم فرنسا يلجأون إلى خطاب أكثر تشدداً إزاء طهران.

وجاء لافتاً أن ماكرون أشار في كلامه، وفي إطار نظرته لما تمثله إيران، إلى «أنها ستكون، بلا شك، واحدة من القضايا الرئيسية في الحوار الذي سنقيمه مع الإدارة الأميركية الجديدة». ومن المرجح أن ينتهج الرئيس ترمب خطاً بالغ التشدد إزاء طهران، بحيث يذهب أبعد من التدابير التي اتخذها بحقها إبان ولايته الأولى. وثمة مراكز بحثية أميركية لا تتردد في الحديث عن اللجوء إلى ضربات عسكرية مشتركة إسرائيلية - أميركية ضد البرنامج النووي الإيراني.

حقيقة الأمر أن ماكرون أقام «مضبطة اتهام» بحق طهران وقادتها. وتشمل هذه المضبطة ما تعتبره باريس دوراً مزعزعاً للاستقرار في الشرق الأوسط وأبعد منه تقوم به طهران؛ في الإشارة إلى الدعم الذي تقدمه «للمجموعات التي تشكل خطراً في جميع مناطق المواجهة في الشرق الأوسط»؛ في إشارة إلى «حزب الله» و«حماس» و«المجموعات الميليشياوية في العراق»، فضلاً عن الحوثيين في اليمن.

غير أن أهم إعلان صدر عن ماكرون تناول إشارته إلى احتمال تفعيل الآلية المسماة «سناب باك» التي يعاد بفضلها الملف النووي إلى مجلس الأمن، ويمكن أن تعقبه إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران.

وذهب ماكرون أبعد من ذلك، بإشارته إلى أن أمراً كهذا يمكن أن يحل في الخريف القادم. وقال ماكرون: «خلال الأشهر المقبلة، سيتعين أن نسأل أنفسنا ما إذا كان يتعين علينا استخدام... آلية إعادة فرض العقوبات على إيران»، مشيراً إلى أن أكتوبر (تشرين الأول) 2025، هو الموعد الذي تنتهي فيه اتفاقية 2015 رسمياً.

يأخذ الغربيون على إيران انخراطها في الحرب الروسية على أوكرانيا، كما أنهم يتخوفون من البرنامج الصاروخي - الباليستي الإيراني الذي يمكن أن يشكل تهديداً لأوروبا.

وتخطط باريس لأن يدور حوار واضح بينها وبين واشنطن حول سبل التعاطي مع إيران، التي تزايدت المخاوف الغربية منها بعد أن وصلت صواريخها إلى الأراضي الإسرائيلية. وخلال الاجتماعات الأخيرة لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، صدرت قرارات قوية بخصوص إيران. بيد أن الدول الغربية وعلى رأسها الموقعة على الاتفاق النووي لعام 2015، امتنعت عن تفعيل آلية «سناب باك» لأسباب مختلفة ومتغيرة.

لكن يبدو أن الغربيين عازمون، أخيراً، على اجتياز خطوة مهمة فيما إيران أصيبت إقليمياً بالضعف بسبب حرب إسرائيل على «حماس» ولبنان وضرباتها ضد الأراضي الإيرانية نفسها وضد الحوثيين، ومؤخراً تدمير قدرات الجيش السوري العسكرية. لكن هذا التصعيد يترافق مع محاولات دبلوماسية للدول الأوروبية الثلاث - فرنسا وبريطانيا وألمانيا - للبحث عن مخارج دبلوماسية للأزمة مع إيران، ومن ذلك الاجتماع المقرر في 13 الجاري. وآخر ما تشكو منه باريس هو محاولات إيران الانغراس في أفريقيا، التي ترى فيها فرنسا إضراراً بمصالحها.

لبنان

المبعوث الأميركي آموس هوكستين مجتمعاً مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون (أ.ف.ب)

لم يأت الرئيس الفرنسي بجديد بالنسبة للبنان «حيث لفرنسا تاريخ طويل والكثير من المواطنين والأصدقاء». وما يسعى إليه ماكرون هو توفير الهدوء على طول «الخط الأزرق»، من خلال مشاركة وحدات فرنسية في قوة «اليونيفيل»، وتسهيل انتشار الجيش اللبناني «بشكل حاسم» جنوب نهر الليطاني وامتداداً حتى الحدود مع إسرائيل.

ولم يتوقف ماكرون طويلاً عند العقبات التي يواجهها وقف إطلاق النار والشكاوى الكثيرة التي تقدم بها لبنان ضد الانتهاكات الإسرائيلية، التي لا تحترم الآلية التي توصلت إليها فرنسا بالتشارك مع الولايات المتحدة. كذلك بقي ماكرون عند العموميات فيما يخص موضوع الفراغ المؤسساتي وعملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية، مذكراً بالحاجة لإنجاح المسار السياسي، ومشيراً إلى الجهود التي يبذلها ممثله الوزير السابق جان إيف لو دريان في هذا الخصوص.

وبحسب ماكرون، فإن انتخاب رئيس جديد «يمثل الخيار الحاسم الذي من شأنه توفير السيادة اللبنانية، ويفتح الطريق لتشكيل حكومة قادرة على القيام بالإصلاحات الضرورية».

الاعتراف بدولة فلسطين

الدمار والخراب في قطاع غزة بعد أكثر من عام من القصف الإسرائيلي المتواصل (أ.ف.ب)

كالعادة، ذكّر ماكرون بـ«الصداقة التاريخية» بين فرنسا وإسرائيل وتضامنه معها «في مواجهة الهمجية التي ظهرت في هجمات» «حماس» في 7 أكتوبر 2023، وضرورة إطلاق سراح الرهائن. كذلك أعرب ماكرون عن «تفهم بلاده لحاجة إسرائيل بألا تتكرر أمور كهذه وأن تضمن أمنها... ومما شدد عليه اعتباره أن الضربات الإسرائيلية (المستهدفة) في لبنان وسوريا وإسرائيل غيرت الوضع الاستراتيجي في الشرق الأوسط، ما يرتب علينا جميعاً استخلاص النتائج وفتح أفق لسلام صلب ودائم وآمن للجميع في المنطقة».

وبحسب ماكرون «لا يمكن بناء هذا النوع من السلام على الأمن وحده، إذ يجب أن ينطوي على العمل الإنساني والسياسي، وهو شرط أساسي مطلق، أولاً وقبل كل شيء في غزة». وأضاف ماكرون: «لا يوجد أي مبرر عسكري لاستمرار العمليات الإسرائيلية والعرقلة المتعمدة للمساعدات الإنسانية، ولاستمرار العوز الشديد وحالة الجوع التي وصل إليها السكان المدنيون» في القطاع، معتبراً أنه ينبغي على إسرائيل «أن تضع حداً للحرب دون مزيد من التأخير، وأن تعترف بأن لديها شركاء للسلام، وأن تلتزم بتسوية عادلة ودائمة للقضية الفلسطينية، وذلك بالتنسيق مع جميع دول المنطقة بشأن غزة، والحفاظ على الأوضاع السياسية في الضفة الغربية وغزة».

ورغم سوداوية الوضع، يرى ماكرون أن «السلام ممكن، حيث إن المملكة العربية السعودية وشركاءنا العرب من ذوي النوايا الحسنة، (الأردن ومصر وقطر والإمارات العربية المتحدة) على وجه الخصوص، ملتزمون بذلك، وفرنسا قدمت ولا تزال تقدم دعمها الكامل».

وحث ماكرون الأوروبيين على العمل في هذا الاتجاه، وبالتنسيق مع الشركاء العرب، «من أجل حل الدولتين، مع احترام الاحتياجات الأمنية للإسرائيليين والتطلعات المشروعة للفلسطينيين».

ودعا الرئيس الفرنسي إلى «بناء إطار جديد للأمن والتعاون في الشرق الأوسط» مشيراً إلى أن «هذا هو هدف المؤتمر الدولي الذي بادرنا به مع المملكة العربية السعودية، والذي سيعقد في نيويورك في يونيو (حزيران) المقبل. وسيكون علينا أن نجعل من هذا المؤتمر لحظة حاسمة». واختتم كلامه بالإشارة إلى أن فرنسا «يمكنها من هذا المنطلق التحرك نحو الاعتراف بدولة فلسطين».