أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية.
بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام، وستظل حاضرة في مختلف محاولات تحليل وتفسير الأحداث التي ستعرفها المنطقة والتي لا تزال مجهولة وغامضة.
لنقل إنها سنة انشغلت على امتداد النصف الأول منها بتشديد الخناق على قطاع غزة واستكمال تحقيق أهداف التحرك ضد القطاع الذي انطلق مع أحداث 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
نعم أواخر سنة 2023 في علاقة وطيدة بأحداث سنة 2024 التي بدورها ستكون بنفس العلاقة مع أحداث سنة 2025.
ففي هذه اللحظة فقط ، نفهم منطق الأحداث التي جرت على امتداد الأشهر الماضية ونفهم بشكل خاص لماذا كان هجوم إسرائيل على قطاع غزة تصاعدياً ولم تنفع معه كل الأصوات التي تعالت ضده ولا الحملات التضامنية الشعبية الواسعة وحتى قرار مجلس الأمن الأول من نوعه القاضي بوقف إطلاق النار الذي أدارت إسرائيل له ظهرها وواصلت تنفيذ هجوماتها بنفس الشراسة، وذلك بكل بساطة لأن إسرائيل وضعت خطة وراهنت على نصب الفخاخ ونجحت في ذلك بشكل مبهر وسريع ونعتقد أنه أسرع حتى من توقعاتها.
فالهدف لم يكن قطاع غزة. بل كان الطعم الذي أخرج أطراف المقاومة والممانعة من مخابئها وتسديد الضربات القاضية والقضاء على هذه الأطراف تدريجياً وصولاً إلى خروج بشار الأسد من دمشق وتسليم البلاد إلى المعارضة في ساعات قليلة جداً.
الآن أيضاً نفهم لماذا حرصت إسرائيل أكثر من العادة على بشاعة ضرباتها والاستهتار أكثر فأكثر بالقانون الدولي الإنساني وبالإمعان في تقتيل الأطفال والنساء وذلك لمزيد من الاستفزاز واستدراج لبنان وتحديداً «حزب الله».
ولم تكن حملة الاغتيالات التي طالت شخصيات من «حماس» و»حزب الله» في معزل عن الخطة. بل إن الهدف كان قطع الرؤوس الكبيرة وتشتيت الأجزاء. والغريب أن إيران التي كانت وراء المقاومة والممانعة والحاشدة لهما المال والعتاد، سحبت بشكل سري يدها مبكراً، والواضح أن دورها في تسهيل قطف الرؤوس الكبيرة في «حماس» و»حزب الله» كان محورياً. ذلك أن ما تعذر على إسرائيل تحقيقه على امتداد عقود قد تمكنت منه في سنة واحدة أو في نصف سنة بدءاً باغتيال إسماعيل هنية وصولاً إلى حسن نصرالله وكوادر «حزب الله». وطبعاً كان كل اغتيال يسهل الاغتيال الذي يليه والضربة التي ستليها حتى اشتد الخناق في أواخر هذه السنة لينتهي بسقوط نظام بشار الأسد والتمكن من إغلاق كافة معاقل المقاومة والممانعة.
الواقع حالياً على النحو التالي: انتصار إسرائيلي منقطع النظير. وطبعاً هذا الكيان الذي حقق انتصاره التاريخي، الذي انتظره منذ عقود، يدرك أن سنة 2025 يجب أن تكون لتنظيف بقايا الأوضاع والتأكد من أن لا رقصة للطائر المجروح وأن الطائر المجروح لفظ أنفاسه الأخيرة. قطاع غزة في دمار كامل. القضية الفلسطينية في أكثر لحظاتها التاريخية ضعفاً. دخول سوريا مرحلة غامضة جداً ومفتوحة على كل الاحتمالات. ولبنان تخلص من «حزب الله» كما كان يريد وكما كان يريد الكثير من حلفائه، ولكن لا شيء واضحاً في خصوص الأطراف التي ستساند لملمة جراحه الاقتصادية. العالم العربي في حالة ترقب للخريطة السياسية الجديدة المرتبطة بدورها بمصالح اقتصادية في المقام الأول.
من جهة ثانية، جرى حديث منذ أيام على أن خطة إسرائيل وحلفائها لم تنتهِ كما توحي الأحداث بذلك. بل إن النصف المتبقي منها ربما يتحقق منه القليل أو الكثير في السنة القادمة حيث هناك أكثر من سيناريو منها: استراحة نسبية لإسرائيل بعد النزيف الذي تطلبه انتصارها التاريخي على أعدائها، أو مواصلة الدرب وتنفيذ النصف الثاني من الخطة وفق مبدأ «اضرب الحديد وهو ساخن». كما أن في المقابل، الدول العربية منشغلة بين معالجة المشكلات الاقتصادية وبين تحديد تموقعها في التشكيل الشرق الأوسطي الجديد للقوى والأدوار بأقل الخسائر.
فكوني برداً وسلاماً على مجتمعاتنا يا سنة 2025 رغم أنف كل القراءات المتشائمة.