أناتولي كورمانيف
* خدمة «نيويورك تايمز»
TT

انتصار بوتين في حرب أوكرانيا أصبح هدفاً شاملاً

استمع إلى المقالة

يقول محللون عسكريون وسياسيون إن الانتصار في حرب أوكرانيا أصبح هدفاً شاملاً لبوتين. وقالوا إن هذه النتيجة ستبرر للزعيم الروسي الخسائر البشرية والاقتصادية الهائلة التي تكبَّدها في الصراع، وستحمي دولة روسيا ومكانتها العالمية، وستعوّض عن الإخفاقات الاستراتيجية في أماكن أخرى، كما هو الحال في سوريا.

كتب ألكسندر باونوف، المحلل السياسي في مركز «كارنيغي روسيا أوراسيا»، وهو مجموعة بحثية: «إن رهان بوتين على الحرب في أوكرانيا كبير للغاية لدرجة أن الانتصار هناك سيحقق لروسيا مكاسب ذات أبعاد تاريخية: إنها كل شيء أو لا شيء. إذا كان يعتقد أن مصير العالم يتقرر في منطقة دونباس، فإن مستقبل سوريا سيتقرر هناك أيضاً».

على المدى القصير، وبينما تناور موسكو للحفاظ على قواعدها العسكرية في سوريا، قد يكثّف بوتين هجومه المكلِّف في أوكرانيا لاستعادة بعض الهيبة. وقد دعا المعلقون الروس المؤيدون للحرب بوتين إلى فعل ذلك، في حين طالبوا أيضاً بتشديد شروط السلام في أوكرانيا لتجنب وقف إطلاق النار غير الحاسم الذي أدى في نهاية المطاف إلى سقوط الأسد.

من شأن هذين السيناريوهين أن يُعقِّدا الوعد الذي قطعته إدارة ترمب المقبلة بإنهاء القتال في أوكرانيا بسرعة.

مع انهيار نظام الأسد، سخر الرئيس المنتخب دونالد ترمب من روسيا لفشلها في إنقاذ حليفها، ودعا بوتين إلى إبرام اتفاق بشأن أوكرانيا، من دون أن يشرح كيف قد يبدو ذلك.

كتب ترمب على منصة «تروث سوشيال» للتواصل الاجتماعي، يوم الأحد، إن روسيا «في حالة ضعف الآن، بسبب أوكرانيا والاقتصاد السيئ». وأضاف قائلاً: «أنا أعرف فلاديمير جيداً. هذا هو وقته للعمل».

وأشار المحللون إلى أن إحدى السمات الأكثر اتساقاً لحكم بوتين المبهم الذي دام 25 عاماً هي كرهه للعمل انطلاقاً من مواقف الضعف الواضحة هذه، أو الخضوع للضغوط الخارجية.

لطالما كانت أوصاف بوتين حول ما سيكون عليه النصر الروسي في أوكرانيا غامضة. وبحلول العام الماضي، تخلى الجيش الروسي عن محاولاته الفاشلة لشن هجمات كبرى من شأنها أن تطيح بالدولة الأوكرانية. وبدلاً من ذلك، ركَّز على شرق أوكرانيا، وضغط في الوقت نفسه على قوات كييف في أجزاء متعددة من الجبهة، وقصف المدن الأوكرانية والبنية التحتية الحيوية. فسَّر الخبراء العسكريون هذه الاستراتيجية بأنها محاولة لاستنزاف الجيش والمجتمع الأوكرانيين، وإرغام كييف على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.

ألمح بوتين إلى أن أي اتفاق سلام يجب أن يسمح لروسيا بالاحتفاظ على الأقل بالأراضي التي احتلتها بالفعل، وأن يضمن حياد أوكرانيا عسكرياً، أي عدم الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. وتريد روسيا أيضاً قمع القدرة العسكرية لأوكرانيا. قال بوتين في منتدى عُقد في جنوب روسيا الشهر الماضي، في إشارة إلى أوكرانيا: «يجب ألا نتحدث عن وقف إطلاق النار لمدة نصف ساعة أو نصف عام، حتى يتمكنوا من إعادة التزود بالذخيرة».

وقد رفضت الحكومة الأوكرانية مراراً وتكراراً أي شروط سلام تجعل خسارة أراضيها واقعاً رسمياً أو تمنع البلاد من السعي لعضوية حلف الناتو.

على المدى القصير، يمكن أن تؤدي النكسة التي مُنيت بها موسكو في سوريا إلى تقليص مجال التسوية وصولاً إلى مزيد من الحلول الوسط.

ردَّ المعلقون الروس المؤيدون للحرب على سقوط الأسد بالارتباك والغضب، نادمين على حياة مئات الجنود الروس الذين لقوا حتفهم وهم يدعمون الجيش السوري الذي تلاشى تحت هجوم المتمردين. وقد أدت مطالب الحرب في أوكرانيا إلى تقليص قدرة روسيا على منع الانهيار.

في يوم الأحد، وصف أحد المغردين الروس المتطرفين البارزين، وهو زاخار بريليبين، سوريا بأنها «نكبتنا».

وقال كثير من هؤلاء المعلقين إن على روسيا أن تتعلم من أخطاء الأسد.وقال أوليغ تساريوف، وهو نائب أوكراني سابق موالٍ لروسيا يكتب الآن عن الحرب من المنفى في روسيا: «الاستنتاج واضح: من الأفضل عدم نسيان الصراعات المجمدة». وكتب في رد مكتوب على الأسئلة: «إذا تجمَّد الصراع، فإن العدو سوف يستغل لحظة ضعفك من دون شك».

وذهب بعض المعلقين الروس المؤيدين للحرب إلى أبعد من تساريوف، ودعوا الجيش الروسي إلى الرد على الإحراج في سوريا بمزيد من الوحشية في أوكرانيا.

وكتب أليكسي بيلكو، وهو مؤرخ روسي قومي متطرف، على تطبيق «تلغرام» للرسائل، يوم الأحد: «هذا هو الوقت المناسب بالضبط لإظهار الصلابة الشديدة، وحتى القسوة» في أوكرانيا. ودعا إلى القتل المستهدِف للمسؤولين الأوكرانيين والمزيد من الضربات الجوية الروسية ضد المباني الحكومية الأوكرانية والبنية التحتية للطاقة. ووصف فاسيلي كاشين، عالِم السياسة في كلية الاقتصاد العليا في موسكو، موجة الحماس الوطني التي أعقبت كارثة سوريا بأنها «ضجيج إعلامي».

* خدمة «نيويورك تايمز»لا شك أن بوتين لطالما رسم لنفسه صورة خبير استراتيجي بارع لا يشغله المد والجزر في الأحداث اليومية المتتابعة. ومع ذلك، فإن الضربة التي وجَّهها انهيار الأسد إلى سمعة الزعيم الروسي العالمية قد تُجبره على إظهار قوته في أوكرانيا، كما قالت تاتيانا ستانوفايا، عالِمة السياسة الروسية في مركز «كارنيغي روسيا أوراسيا».

وكتب رسلان بوخوف، الخبير العسكري الروسي البارز، في مقال حول سوريا في صحيفة «كوميرسانت» الروسية، يوم الأحد: «في العالم الحديث، لا يمكن تحقيق نصر إلا في حرب سريعة وقصيرة». ثم أضاف: «إذا لم يكن بوسعك ضمان نجاحك في المجال العسكري السياسي، فإنك سوف تخسر في نهاية المطاف، بغضّ النظر عمَّا تفعله».

* خدمة «نيويورك تايمز»