مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

زحامٌ على المائدة السورية

استمع إلى المقالة

عن أي سوريا نتحدث وأي سوريا نتابع؟!

هذا التعقيد الذي يشعر به كثرة كاثرة ممن يتابع الأخبار الساخنة الآتية من سوريا، خصوصاً من حلب، وجوارها، هو نتيجة جملة من الأسباب، منها تداخل الخطوط الدولية للصراع على أرض سوريا، ومنها تغيّر برامج وسياسات بعض الجماعات المعارضة، ومنها تشابك العلاقة بين الولاء والمعارضة، مثلما هو الحال مع «قوات سوريا الديمقراطية»، أو «قسد»، في شمال شرق سوريا، التي تتعاون مع النظام في أمور عسكرية وخدماتية، لكنها تريد حكماً ذاتياً في مناطقها، وهو ما ترفضه سلطات دمشق... وهكذا.

في أدبياتنا العربية، دوماً نكيل الهجاء للاستعمار الفرنسي الذي أراد تقسيم سوريا في مطلع القرن العشرين الماضي، على أسس جهوية وطائفية، ونتذكر الجنرال الفرنسي غورو بأسوأ ذكرى، حين شرع بتقسيم البلد، لدويلات:

دولة دمشق، دولة حلب، دولة اللاذقية (العلويون). دولة السويداء (الدروز).

لكن اليوم، وعلى غير الحِسبة الفرنسية، سوريا مقسومة بين جماعات كردية معها عربية، في شمال شرق سوريا، الحسكة والرقة وغيرها، وبعض الجيوب في شمال غرب سوريا.

لدينا إدلب، شمال غرب سوريا، وهي تحت ولاية «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً) معها جماعات «إخوانية»، وهناك حضور لقوى أكثر تطرفاً مثل «حرّاس الدين» و«داعش»، وهناك مناطق على الحدود التركية تحت الحكم التركي المباشر أو شبه المباشر، لدرجة أن العملة المتداولة فيها هي الليرة التركية ومرتبطة بنظام السجل المدني التركي!

ولدينا النفوذ الإيراني في شمال سوريا ولبنان، وعلى الحدود العراقية، لضمان الاتصال من إيران للعراق مروراً بسوريا إلى لبنان.

ولدينا طبعاً النفوذ الروسي القوي في اللاذقية وطرسوس، ولدينا النفوذ الأميركي شرق الفرات في مناطق قوات «قسد».

هذه «الخبصة» من القوى الإقليمية والدولية على أرض سوريا كرّستها تفاهمات الآخرين على مائدة سوريا، مثل: اتفاق خفض مناطق التصعيد في مايو (أيار) 2017 في آستانة بين روسيا وتركيا وإيران. واتفاق مارس (آذار) 2020 أيضاً.

هل حان الوقت للسوريين بعون عربي عازم، ليصنعوا عقداً سياسياً دستورياً وطنياً جديداً في سوريا مع زحام جيوش العالم وأمراء الحروب على ممرات الجغرافيا السورية؟! زحامُ جيوش وأمم ولغات، قال عنه المتنّبي قديماً:

تجَمَّعَ فيهِ كُلُّ لِسنٍ وأُمَّةٍ

فما تُفهِمُ الحُدّاثَ إِلّا التَراجِمُ