هدى الحسيني
صحافية وكاتبة سياسية لبنانية، عملت في صحف ومجلات منها: «الأنوار» في بيروت، و«النهار» العربي والدولي و«الوطن العربي» في باريس ، و«الحوادث» و«الصياد» في لندن . غطت حرب المجاهدين في افغانستان، والثورة الايرانية، والحرب الليبية - التشادية، وعملية الفالاشا في السودان وإثيوبيا، وحرب الخليج الاولى. حاورت الخميني والرئيس الأوغندي عيدي أمين.
TT

إيران تُخطط لسياستها كما تَحيك السجاد

استمع إلى المقالة

إذا عدنا إلى ما جرى تداوله في الدوائر القريبة من حسن نصر الله والبيئة الحاضنة لـ«حزب الله»، وهو ما أتينا على ذكره سابقاً، فإن الأمين العام كان يتملكه مزيج من الغضب والإحباط الشديدين منذ تبليغه إرشاد المرشد علي خامنئي ممارسة ضبط النفس وعدم إقحام «الحزب» في حرب مع إسرائيل مهما كانت الاستفزازات. وقد كان الإحباط جلياً في خطاب نصر الله الأخير يوم 19 سبتمبر (أيلول) الماضي، الذي قال فيه إن معركته مع العدو مستمرة، مطالباً إيران بـ«الدعم المعنوي» إذا كان التدخل العسكري غير متاح ويسبب إحراجاً. وتداولت معلوماتٌ؛ نقلها بعض الصحف المحلية والدولية، إشارتين: حدوث انشقاق حاد في قيادة «الحزب» بين فريق يدعو إلى التقيد بإرشادات المرشد في طهران وعدم الانجرار إلى الحرب، وفريق آخر يقول إن الحرب قد قامت وإن هذه هي فرصة إلحاق الأذى بالعدو ورد اعتبار «حزب الله» الذي يعلو على كل المصالح والحسابات. وبقي نصر الله ممسكاً بالعصا من الوسط حتى حدوث تفجيرات «البيجرز» وما تلاها من اغتيالات وغارات إسرائيلية طالت جميع أنحاء لبنان، خصوصاً الضاحية الجنوبية لبيروت؛ حيث مقر «الحزب» وقلبه النابض، وهذا ما أدى إلى اقتناع الأمين العام بضرورة الرد، فأوفد بسرّية أحدَ أقربائه الموثوقين إلى طهران عن طريق بغداد مع رسالة موجهة إلى المرشد الأعلى يتلمس فيها المغفرة لعدم التزام الإرشاد، وإعلامه قرار استعمال الصواريخ الباليستية الدقيقة رداً على اعتداءات العدو التي تجاوزت كل الحدود. وقد أرسل المرشد جواباً طلب فيه تأجيل الرد والتريث إلى أن يصل نائب قائد «فيلق القدس» عباس نيلفروشان إلى بيروت لعقد اجتماع طارئ مع الحلقة الأضيق في قيادة «الحزب»؛ وعلى رأسهم حسن نصر الله، وهو الاجتماع الذي استهدفه الطيران الإسرائيلي بعد ظهر يوم الجمعة الماضي، وقضى على من بداخله بعدد من الصواريخ قُدرت حمولتها بثمانين طناً من المتفجرات؛ إذ كان من المستحيل أن ينجو منها أحد؛ وفق ما قال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي.

بعد الإعلان عن مقتل حسن نصر الله ساد صفوف «حزب الله» والبيئة الحاضنة غضب كبير من تقاعس إيران عن المشاركة في الحرب وحماية ظهر نصر الله... ويتساءل كثيرون عن أسباب عدم إعطاء الضوء الأخضر باستعمال الصواريخ الباليستية الدقيقة أو حتى المضادات الجوية للمسيّرات والطائرات الإسرائيلية، التي تمتلكها إيران. ويسود اعتقاد بأن إيران ضحت بنصر الله و«الحزب» لتقبض ثمن ذلك حول طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية بعد الانتخابات الرئاسية. إلا إن هذا كله يبقى تكهنات. المؤكد أن عنف الهجمات الإسرائيلية على مراكز ومستودعات ومنصات «الحزب» حيثما وجدت؛ ولو في الأماكن السكنية، إضافة إلى تفجيرات «البيجرز» والأجهزة اللاسلكية، أفقدا «الحزب» توازنه، ومع اغتيال حسن نصر الله وأهم أركانه، فإن «حزب الله» أصبح أشلاءً مقطعة، والبيئة الحاضنة في ضياع كامل بعد ثلاثة وثلاثين عاماً من سيطرة حديدية على سبل الحياة.

بعد اغتيال نصر الله، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة لسجادة عجمية مع تعليق جاء فيه: «الإيراني رائع في حياكة السجاد، وهو صبور في ذلك لسنوات، ولكنه في النهاية يبيعه».

هذه العبارة تختصر علاقة إيران بحسن نصر الله، وليس علاقتها بـ«حزب الله»، فصناعة السجاد قائمة في إيران رغم بيع كل سجادة ينتهي العمل فيها، مع اختلاف بالنسبة إلى «الحزب»: لكل مرحلة رجلها، كما أن لكل قاعة سجادتها. أما «الحزب» فيبقى؛ وإنْ كانت إيران لا تريد أن تتجرع ما تجرعه «الحزب»، فها هو الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان يقول، يوم الأحد الماضي، كما نقلت «رويترز»: «ينبغي عدم السماح لإسرائيل بمهاجمة الدول في (محور المقاومة) المتحالف مع إيران واحدة تلو الأخرى».

هو يريد أن يظل لبنان متحملاً نيران حرب أجّجها المشروع الإيراني.

لكن الأغرب والذي يثير السخرية هو ما صرح به إسماعيل قاآني، قائد «فيلق القدس»، يوم الأحد الماضي: «سنبقى وراء (حزب الله) حتى نغزو فلسطين ونحرر القدس».

قال هذا هو ورئيسه في حين كان العالم ينتظر رداً عسكرياً إيرانياً على اغتيال نصر الله (يوم الثلاثاء أطلقت إيران بضعة صواريخ)، وفي حين كانت إسرائيل ترسل بمئات الدبابات إلى الحدود اللبنانية، والطائرات الإسرائيلية تُغِير على كثير من المناطق اللبنانية وتزيدها تدميراً.

ليت قاآني يبقى وراء بلاده إيران؛ لأنه يكفي لبنان أن يأخذه «حزب الله» مرتين إلى الحرب «كِرْمَى» لإيران. على كل؛ بعد نصر الله وأفول عصر «حزب الله»، قد تأتي استعادة الدولة دورها كما يطلب منها المجتمع الدولي. وربما لرئيس مجلس النواب، نبيه بري، دور مرحلي في حدوث هذا بمباركة أميركية غربية لم تنقطع يوماً. إلا إن هذا لن يكون في المدى القريب، ولكن بعد الإجهاز على ما تبقى من قيادات «الحزب» وقوى الممانعة، وذلك بعمليات اغتيال لشخصيات عسكرية وسياسية بواسطة المسيّرات والطائرات وفي أنحاء البلاد كافة؛ وكذلك في الأراضي السورية. وقد نقلت «وول ستريت جورنال» معلومات عن استعدادات من فرق كوماندوز إسرائيلية لعمليات أرضية سريعة تنسحب بعدها إلى قواعدها في إسرائيل بعد إنجاز مهام تدمير الأنفاق والتحصينات والقواعد.