د. عبد الله فيصل آل ربح
أكاديمي سعودي, أستاذ مشارك لعلم الاجتماع الديني والنظرية الاجتماعية جراند فالي الأميركية, وزميل أبحاث غير مقيم بمعهد الشرق الأوسط بواشنطن العاصمة. نشر العديد من الأبحاث المحكمة في دوريات رصينة, إضافة لنشره لعدة دراسات في مراكز الفكر بواشنطن. ومن أهم إصداراته كتاب «المملكة العربية السعودية في الصحافة الأنجلو: تغطية المملكة في القرن العشرين»
TT

انتخابات أميركا والمخرج الثالث

استمع إلى المقالة

في الـ27 من هذا الشهر سيتواجه آخر رئيسين أميركيين في مناظرة مفتوحة قبيل انتخابات يُتوقع لها أن تكون الأسخن في التاريخ الأميركي بين رجلين يغطي رأسيهما البياض، في دلالة واضحة على مشيب الإمبراطورية الأميركية.

المفارقات في هذه المناظرة كثيرة، ولعل أبرزها أنها ستعقد قبل الترشيح الرسمي من قبل الحزبين اللذين عادة ما يسميان مرشحيهما في شهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب). حتى وإن كانت الأصوات محسومة لصالح ترمب وبايدن، فإن ذلك يبقى على المستوى النظري، ولا شيء يمنع تغيير المندوبين لمواقفهم المعلنة ليصوتوا لأسماء أخرى داخل الحزب.

إن كلاً من المرشحين يعي تماماً أنه وغريمه ليسا الخيار المفضل لدى حزبيهما، وأن كل ما يشفع له أنه الرمز الذي يرى فيه جمهور الحزب أنه قادر على جمع الكلمة أمام الحزب الآخر ومرشحه اللذين يفضلان أي خيار على وصوله؛ فلا الجمهوريون يتقبلون بقاء بايدن لفترة رئاسية جديدة، ولا الديمقراطيون يتصورون عودة ترمب للبيت الأبيض. وعليه، فإن هذه المواجهة المبكرة تعطي جماهير الحزب الفرصة لترى بنفسها مقدرة مرشحهم المحتمل على مواجهة نظيره من الحزب الآخر.

إن كلاً من المرشحين يهدف إلى توجيه الضربة القاضية لغريمه بهدف زعزعة الثقة فيه قبل يوم التسمية الرسمي. ولعل الديمقراطيين يملكون زمام المبادرة، ليس فقط لأن بايدن هو من طلب المناظرة، ولكن لأن التسمية الرسمية للمرشح الجمهوري ستكون خلال مؤتمر الحزب المزمع انعقاده بين 15 و18 يوليو، بينما ستكون التسمية الرسمية للمرشح الديمقراطي خلال مؤتمر الحزب المزمع انعقاده بين 19 و22 أغسطس. وهذا معناه أن لدى الديمقراطيين شهراً كاملاً ليتداولوا أمرهم قبل تسمية مرشحهم بعد تأكدهم من مرشح خصومهم.

يراهن ترمب وبايدن على الإطاحة ببعضهما، في الوقت الذي يلتزم فيه حزباهما الصمت عن تسمية بدائل لهما في حال حصول طارئ (وفاة أو مشكلة أخرى تمنع الترشيح). وفي كل الأحوال، لا يتمنى الرجلان وحزباهما أن تنتهي المناظرة بنتيجة رمادية، إذ إن المرجو أن ينسحب أحد المرشحين ليزكي الحزب شخصاً آخر. ومما لا شك فيه أن هناك من نخبة كل حزب من يتمنى إزاحة مرشح حزبه ليتصدر شخص أكثر أهلية لسباق الرئاسة.

بعيداً عن الرجم بالغيب، فإن الفترة الممتدة بين 28 يونيو (حزيران) إلى 14 يوليو ستكون مهرجاناً إعلامياً يتم فيه التشكيك بأهلية ترمب وبايدن للسباق الرئاسي. وإذا كان مصير ترمب سيحسم مبكراً، فإن مصير بايدن سيكون معقداً؛ كون الماكينة الإعلامية ستجد مادة دسمة في تسمية المرشح الجمهوري - ترمب أو غيره - لتناقش حظوظ بايدن في هزيمة الجمهوريين؛ وبخاصة في حال تفوق ترمب عليه في المناظرة.

في المحصلة، فإن انتخابات 2024 ساخنة جداً، ويكفي أنه حتى نهاية شهر يونيو لن تكون الصورة واضحة، وهذا أمر نادراً جداً ما يحصل. إن هذا الاضطراب الذي تعيشه النخبة السياسية في الحزبين يعكس حالة الاضطراب السياسي الذي تعيشه الولايات المتحدة التي لطالما استخدمت الديمقراطية شماعة لتعلق عليها أسباب انتقادها للدول الأخرى، بينما تتجلى أزمة الديمقراطية في الحزبين المحتكرين للسلطة اللذين أفلست خياراتهما، فعادا يكرران الوجوه من دون طرح شخصيات تلبي طموح الشارع الأميركي. وعليه، هل ستكون المناظرة المنتظرة بمثابة المخرج الثالث الذي سيعطي الأميركيين خياراً آخر غير تكرار مرشحي 2020؟