د. ثامر محمود العاني
أكاديمي وباحث عراقي شغل العديد من المناصب الإدارية والأكاديمية، بينها إدارة العلاقات الاقتصادية بجامعة الدول العربية. كما عمل محاضرا في مناهج الاقتصاد القياسي بجامعة بغداد ومعهد البحوث والدراسات العربية. يحلل في كتاباته مستجدات الاقتصاد السياسي الدولي.
TT

المدن الذكية وأثر الاختناقات المرورية على الاقتصادات العربية

استمع إلى المقالة

في ظل الازدحام الذي تعانيه العاصمة السعودية الرياض ومدن أخرى في العالم العربي والعالم، أُطلقت السعودية مبادرة هاكاثون الزحام الافتراضي بهدف إيجاد حلول لمعالجة الازدحام المروري. والهاكاثون المستوحاة من كلمة ماراثون، حدث يجتمع فيه مبرمجو الكومبيوتر وغيرهم لتطوير البرمجيات. هذا الهاكاثون، الذي أطلقته وزارة الداخلية السعودية بالتعاون مع الهيئة السعودية للذكاء الاصطناعي (سدايا)، وجهات حكومية أخرى، يستهدف الطلبة التقنيين والمبرمجين ومهندسي الذكاء الاصطناعي، والمهتمين بتحسين قطاع النقل محلياً وعالمياً.

كما يسعى الهاكاثون للاستفادة من تحليلات البيانات الضخمة لأنماط حركة المرور وتطوير استراتيجيات تخطيط فاعلة، واقتراح أطر تنظيمية جديدة أو محسنة لدعم إدارة حركة المرور، وإنشاء حلول مرورية مرنة وقابلة للتكيف مع التغيرات المستقبلية. إذ إن قطاع التنقل يشكل تحدياً كبيراً، وهذه المبادرة ستساهم في جذب العقول المفكرة وفتح المجال للشركات الناشئة والصغيرة، لتبدع وتبتكر حلولاً لم يتوصل إليها صنّاع القرار، وبالتالي ستساعد في التطوير سواء على مستوى مناطق محددة أو على مستوى المدينة كاملة.

وعلى الرغم من الضرر الاقتصادي الناجم عن الازدحامات المرورية، وحديث الدول عن خسائرها الاقتصادية نتيجة لذلك، هناك من يرى أنها مؤشر جيد في بعض الدول، حيث يرى البعض أن الازدحام لا يزال حميداً، ومرحّباً به إلى حد ما، لأنه يؤشر على حالة الانتعاش التي يعيشها الاقتصاد. ويعزو البعض الازدحام الحميد إلى النمو الاقتصادي القوي. ولكن على الرغم من الحالة الإيجابية، فإن هذه الدول تسعى دائماً للحد من الازدحامات المرورية عبر مشاريع تطويرية للبنى التحتية.

وتعد السيارة نوعاً من أنواع الاختراعات الحديثة التي استفاد منها الإنسان بشكل كبير، حيث سهلت عليه الانتقال من مكان لآخر بسهولة. كما وفرت الوقت والجهد لنقل الأحمال الثقيلة. بالرغم من فوائدها هذه، فإنه توجد لها أضرار كثيرة والتي منها الاختناقات المرورية. كما أن الاختناقات قد تحدث نتيجة الأعمال الإنشائية في الطرق والشوارع. ومن هذه الأعمال الحفر في الطرق أو رصف الشوارع. وبالتالي تقوم هذه المدينة أو المحافظة بنقل السير إلى شوارع أخرى معينة، توافق موعد الذهاب والإياب في جميع الوظائف الحكومية، لذلك يجب أن يكون العمل بالتناوب لكي نتجنب مشكلة الازدحام. ومن أسباب الازدحام أيضاً، الهجرة من القرية إلى المدينة، وآثارها السلبية على الزراعة والإنتاج الزراعي.

وفي سياق متصل، أوضح الاتحاد الدولي للاتصالات أن المدينة الذكية هي مدينة مبتكرة تستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحسين نوعية الحياة، وكفاءة العمليات والخدمات الحضرية، والقدرة على المنافسة. ووفقاً لمؤشر IESE Cities in Motion، فإنه في ترتيب المدن الذكية العشر الأولى حول العالم، تأتي نيويورك في المرتبة الأولى للسنة الثانية على التوالي، باعتبارها واحدة من أكثر المدن الذكية تطوراً في العالم، تليها لندن ثم باريس، وطوكيو في المرتبة الرابعة، تليها خامسا ريكيافيك (عاصمة آيسلندا) وسنغافورة ثم سيول وتورونتو وهونغ كونغ، وأخيرا أمستردام.

والمدن الذكية المستدامة هي تلك التي تستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحسين جودة حياة سكانها، وتعزيز الاستدامة والكفاءة في استخدام الموارد. كما أنها تلبي احتياجات الأجيال الحالية والمقبلة في ما يتعلق بالجوانب الاقتصادية والبيئية والثقافية. إذ يتم استخدام التكنولوجيا لتحسين إدارة الطاقة وتوفيرها، وإدارة النفايات بشكل فعال، وتحسين جودة الهواء والماء. كما يتم استخدام أجهزة استشعار الذكاء الاصطناعي والشبكات الذكية لجمع البيانات وتحليلها، لتحسين استخدام الموارد وتقديم خدمات أفضل. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه المدن تعتمد على تطبيقات الهاتف الجوال لتسهيل حياة السكان.

وفي ما يتعلق بأبرز المدن الذكية المستدامة في الوطن العربي، تصدرت العاصمة أبوظبي، مؤشر المعهد الدولي للتنمية الإدارية IMD السنوي للمدن الذكية لعام 2023 عربياً، فيما احتلت المركز 13 عالمياً. ويعود السبب في ذلك إلى التطور السريع والاستثمار الكبير في التكنولوجيا والبنية التحتية الذكية في المدينة. إذ توجهت إلى استخدام التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي في إدارة المدينة وتقديم الخدمات الحكومية، واتخذت مبادرات عدة لتحقيق هذا الهدف كإنشاء نظام للنقل الذكي وتطوير شبكات الاتصالات الذكية وتوفير خدمات حكومية ذكية عبر الإنترنت. وتعد دبي واحدة من المدن الرائدة في مجال المدن الذكية المستدامة، وقد احتلت المركز الثاني عربياً والـ 17 عالمياً وفقاً لمؤشر IMD السنوي للمدن الذكية لعام 2023.

وأبرز المدن المستدامة في السعودية، هي مدينة الرياض التي احتلت المرتبة الحادية عشرة بين مدن مجموعة العشرين والثلاثين من بين 141 مدينة بالعالم وفقاً لمؤشر IMD للمدن الذكية لعام 2023، في حين أن مكة المكرمة نالت المرتبة 52 عالمياً، على الرغم من أنها لم تدخل التصنيف من قبل. أما بالنسبة لمدينة جدة، فقد احتلت المرتبة 56 عالمياً.

في الختام، على الدول العربية النظر بجدية إلى كلفة الازدحام المروري، نظراً للتأثيرات السلبية للازدحام على الاقتصاد. إذ تمثل التأثيرات السلبية الناجمة عن الازدحام المروري على الاقتصادات العربية، في زيادة الإنفاق على معالجة الضرر البيئي الناتج عن مفرزات العوادم، والوقت المهدور على الطرقات ضائع دون إنتاج، بل على العكس فيه زيادة من الاستهلاك، وبالتالي يخفض الازدحام الإنتاجية ويزيد من كلفتها والعكس صحيح، إضافةً إلى الأثر النفسي الذي يحد من إنتاجية الموظفين، وزيادة استهلاك المشتقات النفطية دون جدوى، ما يحد من الوفورات منها، وزيادة في تكاليف النقل والشحن، ما قد يزيد من أسعار السلع، والحاجة إلى الإنفاق أكثر على خدمات الطوارئ على الطرقات.